عبدالله جمعة الحاج

طروحات ومقولات الراغبين في إقامة الدولة الإسلامية من أنصار تيارات quot;الإسلام السياسيquot; تقودنا إلى سؤال جوهري هو: هل يمكن لهم أن يطبقوا حكم القانون بعد وصولهم إلى السلطة السياسية والتمكن منها؟ أو بعبارة أخرى هل لديهم الرغبة الحقيقية للقيام بذلك؟

الإجابة على هذا السؤال غير متوفرة خاصة في الدول الإسلامية السنُية، لكن لو أخذنا إيران كحالة للقياس التنظيري نلاحظ بأنه يمكن اعتبار أن لدى إيران حكومة تم تنظيمها تحت المسمى الإسلامي، لكنها تمارس أشكالاً من السياسات شبيهة بالحكومات الشمولية، الأمر الذي جعلها تفقد مساحات واسعة من شعبيتها في أوساط الجماهير. تلك الشعبية التي تم اكتسابها في الأيام الأولى للثورة وارتبطت بشخصية مرشدها الأعلى السابق.

وقياساً على ذلك، فإن متبني مواقف quot;الإسلام السياسيquot; في الدول السنُية سيجدون أنفسهم وقد افتقدوا جزءا كبيراً من مصداقيتهم إذا لم يتمكنوا من تحقيق العدالة السياسية التي ينادون بها. لكن يبقى أنه إذا تمكن متبنو quot;الإسلام السياسيquot; من الوصول إلى السلطة في أي من دول العالم الإسلامي السُنية، من تحقيق وعودهم في جلب العدالة السياسية بين المواطنين، فإن الأمور الأكثر احتمالاً لا تبدو بأنها ستسير في التوجه نحو صيغة من حكم الشريعة، الذي قد يمتد إلى مساحات أوسع من العالم الإسلامي في حال نجاحه في الدول المعنية.

ويعتمد احتمال حدوث ذلك بشكل كبير على قدرة تيارات quot;الإسلام السياسيquot; على تطوير مؤسسات جديدة قادرة على اكتشاف الجذور الأساسية الخاصة بها، التي يمكن لها أن تربط الحياة الواقعية بالفكرة المثالية للإسلام. هذه الصورة يمكن أن تتجلى في هيئة تشريعية منطلقاتها إسلامية تحركها روح من الشريعة الإسلامية المصطبغة بالديمقراطية الحقيقية، أو في صورة هيئة قضائية، أو محكمة تمارس مراجعة قضائية إسلامية تهدف من خلالها صقل نفوذ القوانين التي يتم سنها في ظل وجودها كمحكمة.

إلا أنه في كلا الحالتين، لا يبدو لي بأن مؤسسة واحدة فقط ستكون قادرة بما فيه الكفاية على تحقيق حكم القانون. ففي ظل نفوذ الهيئة التشريعية أو الهيئة القضائية أو كليهما معاً، يتوجب على الهيئة التنفيذية أن تطور لنفسها الالتزام بإطاعة الأحكام الدستورية والقانونية. لكن السؤال يبقى: كيف يمكن لذلك أن يحدث في ظل وجود هيئة تنفيذية اعتادت على ممارسة السلطة المطلقة تجد نفسها فجأة وقد تحولت إلى هيئة خاضعة لحكم القانون؟ ففي تقديري يعد ذلك أمراً غامضاً ضمن التطور الدستوري لكافة دول العالم.

وهنا يشير التاريخ البشري إلى أنه في بعض الحالات قد تصبح الثورة ضرورية، فهيئة تنفيذية وليدة وضعيفة، ليس أمامها من خيارات سوى إطاعة القانون إذا أرادت أن تؤسس لنفسها شرعية دستورية. وربما أنه من المتصور أن تكون ثورة من هذا القبيل أمراً ضرورياً في كافة بلاد العالم النامي، لكن لابد من الاستدراك بأن الثورة الشاملة في بلاد العالم النامي في العقود الأخيرة ذات سجل يثير الحيرة والجدل، فالثورة التي أزاحت الشاه السابق عن عرشه انتهى بها المطاف إلى إفراز نخبة سياسية ودينية متشبثة بالسلطة، وتسعى إلى تكريسها في يدها بكافة الوسائل. لذلك فإن التغير الدستوري الهادئ ذا الوتيرة المتطورة يبدو أكثر جذباً من أي وقت مضى، وهو أنسب الخيارات التي تجنب إنسان العالم النامي ويلات التقلبات المفاجئة التي لا يعلم أحد مدى الضرر السياسي والاقتصادي والاجتماعي الذي قد تتسبب فيه.