إياد الدليمي
لم يتبق الكثير أمام القمة العربية العادية التي من المقرر أن تعقد في مارس المقبل في العاصمة العراقية بغداد، وإلى الآن لا يبدو أن الصورة الحقيقية قد اتضحت بشأن إمكانية انعقاد القمة في بغداد، رغم كل التأكيدات التي صدرت سواء من بغداد أو من القاهرة التي أشارت إلى أن القمة العربية العادية سوف تعقد في موعدها بالعاصمة بغداد بعد غيبة طالت نحو 21 عاما منذ آخر قمة عربية استثنائية عُقدت في العراق في عام 1990 التي أعقبها الغزو العراقي للكويت وما تبع ذلك من تداعيات وحصار دولي وعربي للعراق طال حتى محافل السياسة.
الأمين العام للجامعة العربية عمرو موسى اختتم قبل يومين زيارته إلى العراق، زيارة جال وطاف فيها على رجالات السياسة والدين في العراق، ابتداء ببغداد ومن ثم النجف وأخيرا إلى أربيل، حيث عقدت سلسلة من اللقاءات مع المسؤولين الأكراد، وهي اللقاءات التي فسرها البعض بأنها كانت جس نبض أكراد العراق لمعرفة ما إذا كان بالإمكان نقل مكان القمة العربية من بغداد إلى أربيل أم لا، رغم كل التحفظات التي أبدتها العاصمة العراقية على مثل هذه الأنباء.
العودة العربية للعراق، إذا تحققت في مارس المقبل، لا يبدو أنها ستمثل منعطفا في علاقة العراق بمحيطه العربي، والعكس صحيح، فما زالت أجواء من عدم الثقة سائدة بين الطرفين، فالعراق يرى في أغلب الدول العربية أنها غير راضية عن تبدل النظام وأنها تسعى من أجل عودة البعثيين، مؤطرة ذلك بإطار طائفي مقيت، فتارة تتهم السعودية بدعم التيارات العراقية المناهضة للأحزاب الشيعية، وأخرى تشن هجوما لاذعا على سوريا بدعوى دعم البعثيين، وهكذا.
ومن الجانب العربي، فإن الصمت الذي لزمته العواصم العربية حيال الغزو الأميركي للعراق وما أعقبه من تجاهل لما يجري في بغداد، دفع العرب ثمنه باهظا، وصاروا في حيص بيص من أمرهم، فكيف يمكن لهم أن يعيدوا التوازن للعراق، الذي بات عدم استقراره يهدد بعضهم؟! ناهيك عن الوجود الإيراني الذي شكل هو الآخر ضغطا كبيرا على العرب، ناهيك عن قلة حيلة العرب تجاه الآليات الواجب اتخاذها للعودة بقوة إلى العراق.
الأكيد أن العودة العربية إلى العراق صعبة ولكنها ليست مستحيلة، والأكيد أيضا أن هذه العودة لا يجب أن تتم عبر قمة عربية تنتهي بعد يوم واحد وتعود الأحزاب إلى ما كانت عليه قبل القمة، الصحيح أن يكون هناك وجود عربي داعمٌ للعراقيين قبل أن يكون داعماً للحكومة، داعمٌ لمطالب العراقيين قبل أن يكون وسيلةً الحكومة لتأكيد شرعيتها.
القمة المرتقبة يجب أن تكون بداية لإعادة العراق إلى محيطه العربي وسحب البساط من تحت التدخلات الإقليمية في هذا البلد، والتدخلات الأميركية التي لا يبدو أنها ستنتهي في الموعد الذي حددته اتفاقية بغداد - واشنطن، فبايدن خلال زيارته الأخيرة إلى بغداد قال: إنه بالإمكان مراجعة الاتفاقية الأمنية بما يضمن بقاء عدد أكبر من القوات الأميركية في العراق.
وأيضا، فإن على حكومة نوري المالكي الثانية أن تقدم أدلة على مصداقية توجهاتها التي أعلنها المالكي في خطابه أمام البرلمان العراقي بشأن برنامجه الحكومي والذي ركز ndash;من بين ما ركز عليهndash; على توثيق العلاقات مع المحيط العربي.
وعلى الحكومة العراقية أن تكون أكثر جدية وأن تتجاوز عقدة الشك التي تنتابها كلما استقبلت عاصمة عربية سياسياً عراقياً معارضاً لحكومة المالكي، فعلى المالكي وحكومته أن يعمقوا الوجود العربي داخل العراق إذا كانوا فعلا جادين في الخروج من عنق الزجاجة والاندماج وسط المحيط العربي.
نعلم جيدا أن العرب ليسوا بحال أفضل من حال إخوانهم في العراق، ولكن الأكيد أيضا أن لدى العرب شعوبا وحكومات إمكانات كبيرة يمكن لها أن تضيق الخناق على التدخلات الإقليمية، فالأوراق لدى حكومات العرب كثيرة وعديدة، والأهم استغلالها، ليس حفاظا على العراق وحسب وإنما أيضا حفاظا على العرب أنفسهم.
التعليقات