محمد عبدالجبار الشبوط


لنسجل للرئيس التونسي المخلوع زين العابدين بن على حسنة واحدة: خرج من السلطة والبلاد بعد أن تعاظمت التظاهرات الشعبية المطلبية، او ما يسميه الإعلام بثورة الياسمين. لم يصر على البقاء في السلطة. لم يتمسك بها مهما كان الثمن. لم يلجأ الى استخدام قوات الدولة لقمع الانتفاضة الشعبية. ربما شعر أن هذه القوات لم تكن لتنفذ اوامره لو أصدرها بضرب المتظاهرين. سبقه الى مثل ذلك شاه إيران قبل حوالي ثلاثين سنة. خرج من البلاد والسلطة حين أعلن الجيش حياده. اختلف تصرف الرجلين عن تصرف دكتاتور العراق السابق صدام حسين حين أرسل قواته الى المدن العراقية المنتفضة غداة هزيمة النظام عام 1991 في حرب تحرير الكويت. قتلت قوات النظام من المواطنين العراقيين في الشوارع والمدن والبيوت عددا يفوق ما قتلته القوات الامريكية من الجنود العراقيين في جبهات القتال. تلك كانت إحدى كبائر النظام الصدامي الذي كان لا يتورع عن إغراق البلاد في بحر الدم من أجل بقائه في السلطة. قالها صدام بعد انتهاء الحرب: لم تنتصر امريكا لأن القيادة العراقية مازالت في السلطة!
كان بإمكان زين العابدين بن علي أن يخرج قبل هذا معززاً مكرماً لو اختار أن يحكم لفترة رئاسية واحدة، او اثنتين في اقصى الحالات، كما يحصل عادة في الانظمة الديموقراطية العتيقة والمتوسطة. لكن حب السلطة دفعه الى تجديد الترشيح مرة بعد اخرى، حتى غدا رئيساً مزمناً لبلاده، مثله في ذلك مثل الكثيرين غيره. وهذه هي احدى مشكلات العالم الثالث، ومنه بطبيعة الحال العالم العربي وافريقيا. تحولت جمهورياته الى ملكيات برؤساء للجمهورية. ما أحلى ان يحكم الرئيس فترة او فترتين ثم يصبح بموجب الدستور رئيسا laquo;سابقاraquo;، وليس رئيساً laquo;مخلوعاًraquo;. يحصل على راتب تقاعدي وحماية وامتيازات اخرى، فضلا عن البقاء في البلاد، والاشتراك في المشاورات السياسية، كما يحصل الآن في لبنان على سبيل المثال.
تقوم الجمهوريات الديموقراطية على اساس التداول السلمي للسلطة. يأتي الشخص اليها سلميا ويغادرها سلمياً، وسليماً. فتتجنب البلاد والعباد الاضطرابات والمشاكل والثورات الشعبية والانتفاضات الجماهيرية بكل ما يرافقها من سفك للدماء وتخريب للبناء ونهب للأموال. لكن بعض رؤساء الجمهوريات يعميهم حب السلطة عن رؤية هذه الحقيقة البسيطة، وتمنعهم حلاوة البقاء في السلطة من تذوق طعم تداولها سلميا. والتاريخ يقول ان التداول السلمي للسلطة أحلى واقل كلفة. لكن هؤلاء يرفضون الاعتبار بدروس التاريخ. ويبدو ان الساسة والطامعين في السلطة لا يستوعبون دروس التاريخ حتى تدفع الشعوب الثمن غالياً. ولن تستوعب المجتمعات هذه الدروس حتى تصبح الديموقراطية، ومنها مفهوم تداول السلطة سلميا، جزءاً من الثقافة اليومية السائدة للمجتمع والمواطن. ولن يحصل هذا دون جهد ومعاناة ومران وثمن. لكن الجهد من أجل ترسيخ قيم الديموقراطية وثقافتها في المجتمع سيكون اقل من ثمن اطاحة الانظمة الدكتاتورية التي لا تؤمن إلا بالتداول القسري للسلطة. الم يدفع العراق والعراقيون ثمناً غالياً جداً من أجل التخلص من laquo;الرئيسraquo; صدام ونظامه؟