صالح إبراهيم الطريقي


بهدوء وبخبر صغير جدا في جريدة عكاظ مات أهم شاعر سعودي في هذه الحقبة، والذي لا يعرفه الكثير، وبالتأكيد الجيل الجديد لا يعرف شيئا عن شعره، فوزارة التعليم لم تضع قصائده في مقرراتها لأن إبداعه أعمق من أن يفهمه أولئك القابضون على التعليم فتم تصنيف شعره بالضال، لهذا منعوا عنه جائزة الإبداع الصادرة من النادي الأدبي في جدة، مع أن محمود درويش حين أجرى معه أحد الصحافيين حوارا في قرطاج، سأل الصحافي من أين، فرد عليه صحافي سعودي، فقال درويش: laquo;أها من بلد الثبيتيraquo;.
مات الثبيتي بهدوء بعد أن توقف قلبه من التعب والإحباط، فأن يتسول بعض أصدقائه المؤسسات المعنية بالثقافة لعلاج المبدع، أمر يصيب بالإحباط ليس قلب المبدع فقط، بل فكرة أن يكون الإنسان مبدعا، فما قيمة أن تبدع إن كنت وفي نهاية المطاف لا تستطيع دفع تكاليف علاجك إن لم تكتب قصائد المديح؟
يقولون: إن الأوطان تكبر بمبدعيها، وتصغر إذ يشح الإبداع، وكان الثبيتي مبدعا إذ نقل الشعر من الإطار المحلي إلى الخارج، ليخبر الخارج أن ثمة شعرا عظيما ينتجه الداخل.
وربما لا أبالغ إن قلت: إن شعر الثبيتي صنع نقادا كانوا على هامش المشهد الثقافي في الداخل، ونقادا جددا وجدوا ديوان laquo;تضاريسraquo; مطية تصنع منهم نقادا كبارا، قبل أن ينتقلوا من النقد الأدبي إلى النقد الثقافي، وأعني هنا الدكتور عبدالله الغذامي الذي أصبح أشهر من المبدع صانع النقاد laquo;الثبيتيraquo;.
يقول الثبيتي في قصيدته laquo;تعارفraquo; التي أرى أنها كشف لحالة المبدع وذاك الإحباط الذي سكن الثبيتي لأن الخارج يعرفه فيما الداخل تجاهله، ولولا تسول بعض أصدقائه لما وجد علاجا، ومع هذا أخرج من المستشفى بطريقة لا تليق بالمبدع، وأوقف راتب تقاعده لأسباب واهية.
كتب الثبيتي يقول: laquo;غرفة باردة .. غرفة باردة .. غرفة بابها .. لا أظن لها أي باب .. وأرجاؤها حاقدة .. غبش يتهادى على قدمين .. وصمت يقوم على قدم واحدة.
لا نوافذ .. لا موقد .. لا سرير .. ولا لوحة في الجدار .. ولا مائدة .. حين أججت نار الحقيقة حولي وهمهمت بالقول لا فائدة .. كان يثوي بقربي حزينا ويطوي على ألمه ساعده .. قلت من: قال حاتم الطي .. وأنت: فقلت أنا معن بن زائدةraquo;.
هل كان الثبيتي هنا يروي حكايته؟
لست أدري .. كل ما أعرفه أن المجتمعات تزدهر بمبدعيها، وتصبح غرفة باردة حين تتجاهل مبدعيها لمصلحة المداحين.