هاني الريس

تتفق جميع تقارير منظمة الأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الغذاء العالمي والبنك الدولي ومنظمات إنسانية دولية، أن العالم في طريقه لمواجهة laquo;موجة غلاء عاصفةraquo; في اسعار الكثير من المواد الغذائية الاساسية، يتوقع لها أن تكون أكثر شدة من تلك الازمة الخانقة التي شهدها العام 2008، وتسببت في حدوث قلاقل واحتجاجات مطلبية، عالمية عديدة، أحرجت الكثير من الأنظمة السياسية الاستبدادية القمعية.

ويذكر أن الفترة الأخيرة من العام 2009، قد شهدت موجات قاسية، من ارتفاع أسعار المواد الغذائية الاساسية حول العالم، خاصة القمح والسكر والارز، عزتها مصادر إحصائية كثيرة إلى الزيادة السكانية العالمية، والتوسع في إنتاج الوقود الحيوي والتلوث البيئي والكوارث الطبيعية وارتفاع اسعار الطاقة، حيث واجه أكثر من مليار إنسان في تلك الفترة بالذات، مختلف مظاهر الجوع وأمراض سوء التغذية، وقرابة 925 مليون شخص يعانون من الجوع المزمن، بسبب الفقر والعطالة عن العمل، الناجمة عن الازمة الاقتصادية الدولية، وفي هذا الصدد يقول تقرير الأمم المتحدة للتوقعات السكانية العالمية للعام 2009، بقيت هناك حاجة ملحة بحلول العام 2050 لا طعام لقرابة ثلاثة مليارات إنسان حول العالم، يتوقع أن تعصف بهم أزمات الغذاء.

ومع تصاعد موجات ارتفاع اسعار مختلف السلع الغذائية الاساسية اليومية، في العديد من البلدان النامية والفقيرة، تعاني دول عربية كثيرة وبخاصة دول المغرب العربي (تونس والجزائر والمغرب وموريتانيا)، وحالياً أيضاً مصر والسودان والأردن واليمن، من أفظع انتكاسة اقتصادية واجتماعية في الوقت الراهن، تسببت بحدوث اضطرابات احتجاجية شعبية واسعة النطاق في كل هذه الدول، لمناهضة كافة الاجراءات الحكومية التي اعتبرتها المجتمعات مسئولة عن laquo;تفقير الناسraquo; عبر التلاعب بالثروة الوطنية وتفشي الفساد وتضييق مستوى الفرص الاجتماعية والعمل، وطالبت بتغييرات جذرية في الانظمة الاقتصادية والاجتماعية المعمول بها حاليا في بلدانها وتحسين مستويات الحياة المعيشية العامة للمواطنين على قاعدة المساواة والعدل، ورفض هيمنة الانظمة الحاكمة، على الثروة الوطنية، والصفقات السرية والرشا والمبالغة في الفساد وتقديم المكرمات والمكافآت على حساب الولاء واحتكار القوة والسياسة والاقتصاد.

فالدول العربية التي مازالت تترنح من جراء الاضطرابات والاحتجاجات المطالبة بالاصلاح السياسي والتنمية الاجتماعية والاقتصادية وتوفير فرص العمل والكرامة الانسانية، وتفرض laquo;قبضة فولاذيةraquo; على كل مقومات حياة الدولة والمجتمع، من دون الاكتراث لمعاناة الشعب واحترام إرادته، وعدم مشاركته الفعلية في الحياة السياسية العامة، عليها الآن في زمن الانفتاح الهائل على العولمة وتكسير حواجز الخوف والتصدي للاستبداد المطلق والتعسف العام، أن تصحوَ من سباتها العميق، وتغير وجه سياساتها الاقتصادية والاجتماعية رأسا على عقب، وتبدي مرونة شاملة مع مطالب شعوبها وتحقيقها على أرض الواقع، حتى لا تقع في المحظور، وتلجأ بعدها إلى استخدام القوة وسفك الدماء، الذي لا يؤدي إلا لسقوطها وإبادتها على طريقة laquo;السقوط المدويraquo; الذي تعرض له نظام الاستبداد التونسي، على أيادي الثورة الشعبية العارمة، التي شهدت على عظمتها وعفويتها وإنسانيتها، شعوب العالم برمته.

لقد حان الوقت الآن، لكل الحكومات العربية، التي مازالت تناطح الجدار وتتشدد في ممارسة القمع والاستبداد، مستقوية بمختلف أجهزتها المخابراتية والأمنية وارتباطاتها مع قوى خارجية، ضد خيارات وطموحات شعوبها، ولم تتعظ بعد من تأثيرات التحولات والتغييرات الكاسحة التي عصفت بـ laquo;أعتى إمبراطورية أمنيةraquo; في شمال إفريقيا والوطن العربي، أن تتخلى عن ماضيها القمعي التعسفي، وتتفهم جيدا مطالب شعوبها الجائعة والمحرومة من أبسط حقوق المواطنة المشروعة في مجتمعاتها، قبل أن تعصف بها رياح التغيير الشعبية الجارفة وتقتلعها عن بكرة أبيها من الوجود، والتي هي بالفعل بدأت تشق طريقها اليوم نحو التغيير الحقيقي والجوهري، في أكثر من بلد عربي، فهناك أكثر من 90 مليون إنسان في فضاء الوطن العربي، يعيشون تحت مستوى الفقر ويعانون من التهميش وتنامي البطالة، وينتظرون الفرصة المناسبة للخروج شاهرين سيوفهم في الشوارع، على ظلم الحكام واستهتارهم بحياة الآخرين، والعبرة يجب أن تؤخد الآن، من نتائج الثورة التونسية المباركة، فهذه أفضل فرصة مناسبة لاحداث إصلاحات اقتصادية واجتماعية وثقافية مطلوبة والسير على الطريق الصحيح.