نورالدين قلالة
لم يتخذ وليد جنبلاط قرارا سياسيا هاما في حياته، في مستوى التحديات الحرجة التي يمر بها لبنان، مثل قراره أمس الأول الوقوف إلى جانب سوريا والمقاومة في الأزمة الحالية، والتخلي نهائيا عن حليفه السابق سعد الحريري وتبنيه مرشح حزب الله لرئاسة الحكومة المقبلة.
لبنان يتجه إلى مواجهة حادة في معركة اختيار رئيس جديد للحكومة بين سعد الحريري ومرشح تحالف حزب الله، وبعد انتقال جنبلاط إلى المعسكر الآخر، يبدو لي أننا أمام صعود حكومة لبنانية أكثر عداء لإسرائيل وحلفائها وأكثر رفضا لمخططات القوى الكبرى في لبنان، وأقرب إلى كشف أهداف المحكمة الدولية الخاصة بهذا البلد. فقوى 14 آذار (الحريري وحلفاؤه) ممثلة حاليا في البرلمان بـ60 من أصل 128 نائبا، وقد أعلنت تأييدها للحريري، مقابل 57 نائبا لقوى 8 آذار (حزب الله وحلفاؤه) التي تحتاج إلى 8 أصوات إضافية من أجل ترجيح كفة مرشحها لرئاسة الحكومة. ولأن كتلة جنبلاط تتألف من 11 نائبا، خمسة دروز وخمسة مسيحيين وسني واحد، فمن المتوقع ترجيح الكفة لصالح حزب الله لاختيار رئيس حكومة يفترض أن تتمثل في شخصية سياسية قوية تدافع عن laquo;ثقافة المقاومةraquo;.
ويدرك حزب الله تمام الإدراك أن الفوز برئاسة الحكومة، ليس نهاية المطاف، وإنما بداية الصراع مع القوى الأخرى التي تدعم المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، التي تسعى إلى إدانة المقاومة في لبنان بتدبير وتنفيذ الاغتيالات السياسية، من خلال توجيه الاتهام لعناصر من حزب الله باغتيال رئيس الحكومة الأسبق رفيق الحريري.
لقد كان واضحا أن مبادئ المبادرة السعودية السورية التي نشطت على مدى أشهر بهدف إيجاد مخرج للأزمة كانت تقوم على أساس إلغاء ارتباط لبنان بالمحكمة الدولية من خلال إلغاء بروتوكول التعاون ووقف التمويل وسحب القضاة. وهو الأمر الذي ظلت حكومة الحريري ترفضه، وحتى آخر كلمات سعد الحريري، كان الرجل متمسكا بمواقفه وكأن مصير لبنان لا يهم، المهم هو بقاؤه رئيسا للحكومة ليشهد إدانة حزب الله في قضية اغتيال والده ولم لا إعدام عناصره laquo;المتهمةraquo; في القرار الظني أمام عينيه، ومن ثم فتح الباب لطرح مسألة سلاح حزب الله وهي القضية الأساسية والمحورية والهدف النهائي الذي تدور حوله التحركات السياسية في الوقت الراهن.
لقد كان حريا بسعد الحريري أن يتحلى بالشجاعة ويطلع للبنانيين ليقول لهم إنه لا يرغب في حكومة ستقود لبنان إلى بحر من الدم، فيكسب ود الجميع وتعاطف الكل، كان حريا به أن يقول إن دم والده يمكن أن يذهب هدرا، لأنه لا يساوي دماء كل اللبنانيين وضياع لبنان وغرقه في نار الفتنة والحرب. ما الذي منع الحريري من إنقاذ لبنان في مرات عديدة والقول إن اغتيال والده ليس في رقبة أحد؟ لماذا يصر الحريري على اغتيال كل لبنان بسبب اغتيال والده؟ وما الذي يمنعه من رفض المحكمة الدولية الخاصة وعدم الاعتراف بتحقيقاتها وقراراتها الظنية؟ قد تكون أمور كثيرة منعت سعد من التحلي بهذا القدر من الشجاعة.. على الحريري أن يدرك أن لبنان لم يفقد رفيق الحريري فقط.. فقد اغتيل قبله الكثير، في بيروت وبنفس سلطة وقوة والده وأكثر منها حتى، ولم تتحرك أي محكمة لا محلية ولا دولية للتحقيق في مجريات الأحداث.
تاريخ الاغتيالات السياسية في لبنان لم يبدأ باغتيال رفيق الحريري، لبنان بصفة خاصة لديه سجل واسع وممتد لسنوات طويلة: الرئيس بشير الجميل، الرئيس رينيه معوض، رئيس الحكومة رشيد كرامي، الزعيم الدرزي والوزير كمال جمبلاط، الوزير طوني فرنجية، الوزير والنائب إيلي حبيقة، الأمين العام السابق لحزب الله عباس الموسوي.. والقائمة طويلة جدا.. ولا يتسع المجال لذكر كل الاغتيالات السياسية في لبنان.. ولم تصدر أحكام قضائية حول أي عملية، باستثناء اغتيال كرامي الذي اتهم فيه laquo;الحكيمraquo; سمير جعجع، وحكم عليه بالإعدام، قبل أن تخفض العقوبة إلى الأشغال الشاقة المؤبدة.
وبعيدا عن لبنان حدثت عدة اغتيالات سياسية في دول عربية أخرى، لكن لم تتحرك أي محكمة دولية، 14 حاكما عربيا تم اغتيالهم خلال 40 عاما للفترة من 1951 لغاية 1991، بدءا بعبدالله بن الحسين 1951 وانتهاء بمحمد بوضياف في الجزائر عام 1991. مرورا بالعراقي عبدالسلام عارف 1966، والمصري أنور السادات 1981. وفي الجزائر مثلا اغتيل رئيس الدولة محمد بوضياف ورئيس الحكومة قاصدي مرباح، وعرفت الجزائر عشرية سوداء ذهب ضحيتها 150 ألف قتيل فيهم وزراء ونواب وصحافيون، لكن لم يتحرك أحد.
ليس صحيحا أبداً أن الاغتيال السياسي لم يجد في لبنان فقط مواجهة حقيقية من الدولة وأطرافها، فهناك العديد من قضايا الاغتيال السياسي في دول عربية لم تحل أو لم ينظر فيها القضاء من الأساس. لكن الرابط الأساسي الآن بين اغتيال الحريري وحزب الله هو سلاح المقاومة، وقد وصل لبنان فعلا إلى مفترق ومنعطف خطير، ولأول مرة تم استحضار laquo;العدالةraquo; لمعاقبة المذنب، تبين أن المحكمة الدولية أخذت بُعدا سياسيا بامتياز صار يهدد الوحدة الوطنية والأمن القومي، بعد أن خرجت عن مسارها القضائي.
الأخطر في حالة لبنان حاليا، وحتى في حالة ما إذا أمسكت حكومة موالية لحزب الله بزمام السلطة، أن القوى الكبرى مصممة على نسف سلاح حزب الله، حتى وإن كان الثمن اغتيال لبنان، وزيرة الخارجية الأميركية قالت بوضوح إن المحكمة لن تتوقف، بينما يرى الجميع تهديدا في لبنان حال استمرارها.
وبالمقابل حزب الله، هو الآخر، ماضٍ في تهديداته المبطنة باستكمال العملية الانقلابية التي بدأها باستقالة الوزراء من الحكومة، وليس غريبا أن يلجأ الحزب إلى حركة أمنية عسكرية، هي بمثابة انقلاب على السلطة. بل إن الرياض ذهبت بعيدا في رفع يدها عن لبنان وهي تحذر من وضع خطير يصل إلى التقسيم. فليس صحيحا أبداً أن الدول العربية الكبيرة مساحة هي فقط المرشحة للتقسيم، في لبنان نحن نتحدث عن بلد مساحته 10 آلاف كلم مربع!!
التعليقات