منصور الجمري
التعليق على مجريات الواقع التونسي مهم بالنسبة إلينا كعرب في منطقة حساسة جداً، ولعل كثرة التعليقات وتنوعها تعكس الأهمية الاستراتيجية لما حدث. ولو نظرنا إلى الوراء (قبل 32 سنة) فسنجد أن شاه إيران هرب من بلاده في 16 يناير/ كانون الثاني 1979 (بينما هرب زين العابدين بن علي في 14 يناير 2011)... والوضع الإيراني استمر في حال متقلبة حتى 11 فبراير/ شباط 1979 عندما انهزمت الحكومة الانتقالية وأعلنت وحدات أساسية من القوات الإيرانية المسلحة انضمامها لصفوف الثورة.
الثورة الإيرانية كان حجمها أكبر بلا شك (عدد نسمة إيران كان آنذاك 35 مليوناً مقابل 10 ملايين تونسي حالياً، والجيش الإيراني كان يوصف بسادس جيش في العالم ... الخ). وما جرى من أحداث في إيران لاحقاً أدى إلى تعثرها في مراحل عديدة، إذ قام العراق بمهاجمتها، وحدثت تصفيات داخلية كثيرة، وتقلب الوضع الانتقالي، وكان هناك خلاف حول هوية الثورة، وفيما إذا كانت أنموذجاً للتصدير أم أنها محصورة في حدودها، وهل هي للإيرانيين، أم أنها لكل المسلمين، أم لفئة معيّنة... وحُسم الخلاف لصالح التوجه الذي عاصرناه خلال العقود الثلاثة الماضية.
تونس تعتبر أنموذجاً مختلفاً، فهي أنموذج ناطق باللغة العربية، ومجتمعها laquo;تعدديraquo; من الناحية الثقافية والسياسية، ولا توجد مشكلة طائفية تحد من تأثيرها على المحيط المجاور، ولحد الآن اتسم الشارع التونسي بالحكمة، والجيش التونسي أثبت وطنيته، وهناك مجال واسع حالياً لإطلاق الحريات العامة على أسس دستورية متقدمة تضمن مشاركة جميع الاتجاهات، على أن يُترك الخيار للشعب التونسي في انتخابات دورية وحرة ونزيهة، وأن تتمسك جميع القوى السياسية بثوابت تمنع بروز طغيان شمولي مماثل للسابق.
هذه الصورة المتفائلة للوضع التونسي - عندما تتعزز - ستجعل منه حالة محيرة للقوى الكبرى (أميركا وفرنسا تحديداً)، وللدول العربية القريبة والبعيدة، ولاسيما عندما تؤكد تونس أنها لا تنوي تصدير أنموذجها؛ ما سيجعلها أكثر جاذبية مما لو قالت العكس، وهو ما سيجعل التعامل مع laquo;العدوىraquo; التونسية أكثر صعوبة.
بالنسبة إلى القوى الكبرى، فسيكون لزاماً عليها مراجعة سياستها الحالية التي تقوم على مساندة الأصدقاء حتى لو كانوا يظلمون ويفسدون، بذريعة أن هؤلاء يحمون الغرب من وصول الإسلاميين أو المتشددين... وتونس التي يتوقع أن تبقي على علاقات الصداقة مع الجميع، ستمثل حالة حرج شديدة بدت واضحة في تصريحات القادة الأميركان والفرنسيين، الذين تحدثوا بحذر عن ما حدث لحد الآن.
التعليقات