سعيد الفرحة الغامدي

قبل السابع عشر من شهر ديسمبر عام 2010م لم يكن أحد يتوقع أن الوضع في تونس سينفجر ويطغى على كل الأحداث العالمية الأخرى التي انتهى العقد الأول من الألفية الثالثة بها مثل: حالة الاقتصاد العالمي، والتغير المناخي، وأسعار الطاقة، وغيرها من الأحداث التي ستحدد مستقبل الوضع السياسي العالمي، ومن سيهيمن، ومن سيكسب رهان القرن الحالي؟ الصّين بتطورها المذهل، والهند التي تسعى لدور عالمي مستحق؟ أم أن أمريكا ستحافظ على تفوقها رغم تراجع اقتصادها ومنتوجها القومي؟ ولم يكن أحد يتصور إطلاقاً أن الاحتقان الجماهيري في تونس قد وصل إلى درجةالاشتعال وأن مستهل قصيدة أبوالقاسم الشابي:
إذا الشعب يوماً أراد الحياة
فلا بد أن يستجيب القدر
ولابد لليل أن ينجلي
ولابد للقيد أن ينكسر
ستصبح لسان حال الملايين في كل مكان من تونس، ويضع أبيات الشابي التي قيلت قبل عقود من الزمن إلى واقع يعكس غضب الشعب بحق وحقيق. فأسقط الرئيس، وهزّ المؤسسة الحاكمة من جذورها، وبدأ مرحلة جديدة ليس لتونس فقط وإنما لكل الشعوب المقهورة في الأرض.
فماذا يمكن أن يُقال عن تلك الثورة فكراً، وعملاً، وإلى أين سينتهي المطاف بها؟ سقط الرأس، وتغيّر الخطاب، وانتصرت العفوية، في غياب التنظيم المدروس والمحكم، وغابت الخطة، وصدقت مقولة الشابي في القصيدة الخالدة. ويظل السؤال إلى أين سيتجه فكر الثورة..؟! والعبرة بالنتائج.
مؤسسات المجتمع المدني لم تكن مستعدة لما حصل، والأحزاب السياسية كان معظمها يُدار من الخارج في ظل ظروف صعبة، وقد تكون مصداقيتها لدى الجماهير الكادحة أمثال بو عزيزي وغيره بعيدة عن نبض الشارع... الخ.
والواقع يقول: إن صناعة الفكر في هذا الزمن أصبحت في متناول الجميع بفضل وجود العالم الافتراضي والثورة المعلوماتية التي جعلت كل شيء في متناول الجميع، وكل ما يحتاجه الفرد جهاز صغير ينقل من خلاله الصوت، والنص، والصورة، متخطياً الرقابة، والرقاب، إلى حيث يريد مرسل الرسالة. هذه الآلية التي يبنى عليها فكر التغيير في العصر الافتراضي في الوقت الراهن.
والقاعدة الثانية أن الظلم مهما طال الزمان لابد أن يأتي يوم وينتهي ويُحاسب مرتكبوه، وعندما تصل الأمور إلى كرامة الفرد ولقمة عيشه تصبح محركات التغيير جاهزة للفعل الجاذب لكل من على الساحة للاستجابة والتفاعل معها.
والحالة الثالثة مبادرة صادقة ثمنها اليأس من أي وسيلة أخرى إلا بالطريقة التي تمت بها.
والحالة الرابعة أنها لم تأت على دبابة ولا من خلال صواريخ عابرة القارات ولا laquo;منفستraquo; حزبي مسبق، وهي منتج محلي أصيل.
هذه قراءة سريعة، في سبيل معرفة فكر الثورة التونسية التي لا زالت تداعياتها تربك الساحة في الداخل التونسي، وكل دوائر صناعة القرار في الدول التي تعاني من نفس الأمراض المزمنة في دهاليز السلطة وأساليب التسلط على مقدرات وحياة الشعوب.
ومن حسن الطالع أن مستوى التعليم في تونس من أفضل المستويات في العالم العربي. يصاحب ذلك تجانس سكاني، وديني، ومستوى مرموق من الرقي الحضاري، يضمن التعايش السلمي، ويبعد شبح الانزلاق في أتون حرب أهلية لا سمح الله. وأكبر دليل على ذلك تعاطف الجيش ورجال الأمن ورفضهم استخدام السلاح ضد الجماهير التي انتفضت وأسقطت الحكومة ولازالت تطالب -بوعي- بالتخلص الكامل من كل رموز السلطة في الحزب الحاكم السابق.
والبوادر تشير إلى تبلور فكر عقلاني معاصر.. تصنعه إرادة الشعب.. يجمع بين مزايا الموروث، وبين حصاد التطور الإنساني، ولا يقصي أحداً. شعاره العدل، والحرية، والمساواة، والديمقراطية، والعيش الكريم. وهذا ما نتمناه لشعب تونس البطل، حتى تكون إنجازاته قدوة للجميع في أرجاء العالم.. والله ولى التوفيق