داود الشريان


بات واضحاً أن laquo;كتلة المستقبلraquo; هُزمت. أُجبرت عنوة على الجلوس في مقاعد المعارضة. لكن أحداً لم يفرض عليها اللعب بأدوات سلفها وخطابه، ففعلت، وبطريقة لا تحسد عليها. قبل إعلان النتيجة، سعت المعارضة بالإكراه، الى فرض شخص رئيساً للحكومة بلغة الشارع، وحرق الإطارات. مارست ما كانت تنهى عنه خصومها وتعيّرهم به.

سعد الحريري هدّد بلغة الوعيد بيوم آخر. وتمسك بعض نواب كتلته بخطاب مذهبي صارخ جعل خطاب الأمة يشبه شعارات الطوائف. استنسخ لغة بعض نواب laquo;حزب اللهraquo; حين كان الأخير يمثل المعارضة. إقصاء سعد الحريري ليس آخر المطاف. لكنه يعتقد أن قانون المحكمة يشترط استمراره رئيساً أبدياً للوزارة. والده اختصر السنّة في شخصه، وهو يمارس هذا الاختصار، لهذا فإن المعركة السياسية الراهنة ستحدد موقع الحريري في محيطه. وهو إن استمر في الرهان على وهم الشارع فإنه بالتأكيد سيصبح رهاناً خاسراً لمحيطه والدول الإقليمية.

كان المطلوب أن يقبل سعد الحريري قواعد اللعبة الديموقراطية التي تدعيها الساحة السياسية في لبنان. يكتفي بالانسحاب من تشكيل الحكومة، ويترك laquo;المعارضةraquo; تدير التشكيل. ويتبنى laquo;الحقيقةraquo; من موقعه الجديد، ويتخلّص من أعباء الحكم ومشاكله، ويربك بعض الإعلام اللبناني، الذي عاش في المرحلة الماضية على رفع صوته ضد المحكمة، بقضايا الفساد والمحسوبية. لكن خبرة سعد لم تسعفه. ويبدو أنه ماض في استعذاب التجربة الفلسطينية التي كرست دور laquo;حماسraquo;. وهو اليوم يكرس دور laquo;الحزبraquo; بوسائل حزبية، وربما خسر الحريري قضية بخسارة البلد برمته، وعوضاً عن أن تكون المحكمة الدولية الخاصة بلبنان باباً لمرحلة جديدة تصبح وسيلة لدمار لبنان وتمزيقه.

نجيب ميقاتي هو الرئيس المكلف. والسياسة تقتضي التعامل مع ترشيحه بعقل بارد، والإبقاء على الاعتراضات في الإطار السياسي، وطالما أن الدول الغربية تتحدث عن حماية المحكمة ورفض التنصل منها، فمن الحكمة الانتظار. فالتجييش والصراخ المذهبي اللذين تورط بهما laquo;تيار المستقبلraquo; سيتحوّلان لاحقاً الى ذريعة لرد فعل أشد. وهنا تتساوى الأطراف بالإضرار بمصالح الناس وأمن البلد ومستقبله، وسد الأفق السياسي.