ياسر الزعاترة

ستتعرض الجزيرة من دون شك، وقد بدأ القصف بالفعل، ستتعرض لهجوم شرس من قبل دوائر السلطة بسبب نشرها لوثائق التفاوض التي تدين موقفها السياسي على صعيد ما يعرف بقضايا الوضع النهائي في الصراع العربي الإسرائيلي.
على أن كل هذا الهراء الذي سنسمعه طوال أسابيع لن يغير في حقيقة الفضيحة التي تورط بها من يدّعون تمثيل الشعب الفلسطيني، والذين طالموا أوجعوا رؤوسنا بحكاية الثوابت التي يتمسكون بها، والتي لن يتنازلوا عنها بأي حال، الأمر الذي تدافع عنه وتروّجه أبواق كثيرة تنتشر في الإعلام العربي، وأبواق أخرى تنتشر في منتديات الإنترنت.
لا حاجة هنا للكثير من التفصيل فيما حوته الوثائق، فالتفاصيل تتوفر في موقع الجزيرة.نت، والوثائق الكاملة متوفرة أيضا، لكن الحقيقة أن أكثر ما توفر لم يكن جديدا، وعندما كنا نردد مثل هذا الكلام في المقالات والفضائيات كان القوم يردون علينا بالتكذيب، والقول إننا نستند إلى مصادر إسرائيلية، مع أنهم يعلمون أنها تصدق في هذا النوع من المعلومات.
الآن يتأكد أن ما كانت تكشفه المصادر الإسرائيلية كان صحيحا، وأن ما قيل بشأن القدس واللاجئين وسائر القضايا الأخرى لم يكن كاذبا، وأن سائر مماحكات القوم كانت بلا قيمة، اللهم إلا في سياق الضحك على ذقون الشعب الفلسطيني والجماهير العربية، والمزايدة على خصوم سياسيين.
في سياق القدس، هل ثمة أكثر بلاغة من قول صائب عريقات للإسرائيليين، إنه يعرض عليهم أكبر laquo;أورشاليمraquo; في التاريخ اليهودي، ولا قيمة لسؤاله في laquo;حصادraquo; الجزيرة عن السبب في عدم قبول الطرف الإسرائيلي للعرض، لأن الجواب معروف، فالطرف الإسرائيلي لا يريد تقديم أي تنازل في القدس الشرقية، بخاصة فيما يتصل بما يعرف بالحوض المقدس حيث المسجد الأقصى وقبة الصخرة التي يرى الإسرائيليون أنها مكان الهيكل الذي يحظى بإجماع الإسرائيليين، ويراه أكثرهم حمائمية (يوسي بيلين) أنه مثل الكعبة بالنسبة للمسلمين.
تسيبي ليفني (وزيرة خارجية أولمرت) نفسها أجابت عن السؤال بقولها إن موضوع القدس الشرقية غير خاضع للنقاش، فيما قالت كونداليزا رايس لمندوبي السلطة إن الإصرار على موضوع القدس الشرقية والحوض المقدس سيعني أنكم لن تصلوا إلى دولة في حياة أولاد أولادكم.
هل يكفي ذلك لتفسير الموقف؟ نعم بالتأكيد. أما الجانب الآخر فيتمثل في طموح الإسرائيليين للحصول على المزيد من التنازلات، والأهم قبول السلطة بالدولة المؤقتة التي تستثني ملف القدس، وتحيل النزاع بشأن ما تبقى من الأرض إلى نزاع حدودي لا أكثر، لاسيَّما أن السلطة لا تملك أية أداة ضغط تمكنها من فرض وقائع على الطرف الإسرائيلي.
الجانب الآخر يتعلق باللاجئين، وهنا أيضا لم تكن ثمة مفاجأة تذكر بالنسبة إلينا، إذ لطالما سمعناهم يتنازلون عن حق العودة للأراضي المحتلة عام 48، وقد سرّب الإسرائيليون أن أولمرت عرض عودة 30 ألف لاجئ ضمن ما يسمى بلمّ شمل العائلات، يعودون خلال عشر سنوات، لكنه عاد وتراجع إلى 10 آلاف فقط لا غير ضمن ذات المدة.
ولم يتوقف التنازل عند حدود حق عودة اللاجئين، بل تجاوزه إلى الموافقة الضمنية على تبادل الأراضي بحيث يُضَم فلسطينيو48 إلى مناطق السلطة، والأهم الموافقة على يهودية الدولة، وهو مبدأ يهدد وجود جميع الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 48.
في سياق الفضائح التي تضمنتها الوثائق، هناك ما يتعلق بالتنسيق الأمني، والذي لم تكن قصصه غريبة إذ تكشفها الصحافة الإسرائيلية كل يوم، فيما تكشفها أكثر ممارسات السلطة على الأرض، والتي تستهدف المقاومة وكل ما يمت إلى برنامجها بصلة. ويكفي أن يقول عريقات في الوثائق إنهم قتلوا فلسطينيين، وإنهم راقبوا حتى الزكاة وخطب الجمعة من أجل تثبيت سلطة البندقية الواحدة، لكن المثير في هذا السياق هو وصول الأمر حد التنسيق مع العدو لاغتيال أحد قادة كتائب الأقصى (حسن المدهون) في العام 2005.
أما فضائح تقرير غولدستون، فتلك حكاية يعرفها الجميع ولا نستعيدها هنا إلا من أجل تذكير الذين طالموا أوجعوا رؤوسنا برفض الرواية المعروفة حول وقف عرض التقرير على لجنة حقوق الإنسان في الأمم المتحدة.
الآن، وبعد هذه الفضائح المدوية، أما آن لشرفاء حركة فتح أن يتحركوا لرفض هذه المهزلة، وأن تكف الأبواق المعروفة عن تكرار حكاية الثوابت، أم أن القوم سيمضون في غيهم دون توقف؟ نتمنى أن نرى موقفاً جديداً، لكننا غير متفائلين مع شديد الأسف.