يوسف الكويليت

الحكومة الفلسطينية بعد نشر الوثائق، صارت في درب العواصف، فإذا صدقت المعلومات فإن التنازلات المرّة التي مُنحت لإسرائيل مضرة ومريعة، إذ رغم هذه العطايا السخية، لم تعبأ بأن تغير من إصرارها على الاستيطان والتمدد وتحويل الضفة إلى سجن كبير، ورفض كل المبادرات، وهنا السؤال ما هو رد فعل الشعب الفلسطيني في الضفة، ممن يقفون في صف الحكومة بعد كشف هذه الحقائق؟

النظرة العامة تعطي لحماس رافداً معنوياً، وتأييداً شعبياً باعتبارها خط التقاطع مع إسرائيل، والمتضررة من غزواتها وحصارها، ولذلك فالدعم الشعبي سيكون لصالحها أكثر من الحكومة، وفي ذلك ضربة موجعة ليس لمفاوضات السلام شبه الميتة، وإنما لكيفية حدوث تداول سياسي لا يلتقي مع هدف المواطن الذي كان ينتظر مواقف تجعله في قلب الاهتمام..

إسرائيل ردود أفعالها باردة، لكنها تدرك أن الفلسطينيين أعطوا كل ما لديهم وأنها طرف رافض ومعاند للسلام، وفي هذا كشفٌ لواقع ربما تعرفه الدوائر المحيطة بالقضية مثل أمريكا وبعض دول أوروبا، لكنها أمام الرأي العام العالمي ستظهر بالصورة المغايرة، ثم إن الخسارة الكبرى أن الدافع للانخراط في صف حماس، سيلغي أشياء كثيرة، حيث ستصبح في وجه إسرائيل كخيار وطني عام، وقد تعود الانتفاضة من جديد بدواعي أن التفريط في الحقوق، حتى لو جاء من الدولة الفلسطينية، فهو تضاد للموقف الشعبي، وهنا لابد أن إسرائيل ستكون أمام انقلاب جديد ليس في المواقف فقط، بل بخلق ظروف اعتقدت أنها المنتصر الأول في إذلال الفلسطينيين ونزع أكبر التنازلات منهم وتدجينهم عن أي فعل يصادم أفعالها..

الواقع المستجد في الساحة العربية هو التحرك والمواجهة بدلاً من السكون، وإسرائيل لا تتمنى أن تسود أنظمة عادلة تحقق قيماً جيدة في الديموقراطية والتنمية، بل تجد في حالات الاحتقان هدفاً لتمزيق هذا الوطن الكبير، وهنا ستكون القضية الفلسطينية في قلب الأحداث مما يدفع بالمواجهة لأنْ تكون أكبر وأكثر انتشاراً..

محطة الجزيرة القطرية غامرت بإذاعة الوثائق، وربما انساقت وراء كسب إعلامي يوازي نشر وثائق laquo;ويكيليكسraquo; لكن المردود هنا قد يكون سلبياً، وإيجابياً..

سلبياً لأن النشر عرّض السلطة الفلسطينية للحرج، وكشف أموراً ظلت سرية، لكن السلطة نفسها قد تدخل في عراك ليس مع المحطة، وإنما مع الحكومة القطرية، وربما تضيع الحسابات في قضية معقدة لها تداعيات خطيرة قد تتحول إلى وسائل انتقام بأساليب غير إعلامية.

وإيجابياً لأن المواطن العربي، والفلسطيني، تحديداً، لا يعرف ما يدور في الغرف المغلقة مما جعله أمام معلومات جديدة وخطيرة، وهذا سيدعم مواقف القوى المناصرة لخط قطع المفاوضات، ويأتي لصالح القوى المناهضة للسلطة، ويقوي تيار التشدد الذي سيحصل على تأييد عربي وإسلامي وعالمي تبعاً لموقف الحكومة وخضوعها لإسرائيل..

الأحداث حُبلى بالمفاجآت والنتائج لن تأتي وفق التوقعات بل سيكون للمصادفات دور قد يغيّر كل المعادلات القائمة..