جاسم بودي

جميع الكويتيين مع حق الشعوب في المطالبة بظروف معيشية أفضل وبحياة سياسية أرقى وبمشاركة أهلية اكبر في السلطة والقرار وبتلازم مساري الديموقراطية والتنمية... جميعنا نريد ذلك، لبلدنا ولاشقائنا لأن من السذاجة الاعتقاد بأن أي نار قربنا لن تتجاوز اسوارنا.
لكن المؤلم في الموضوع أننا ما زلنا منذ اكثر من نصف عقد نورث اولادنا واولاد اولادنا الشعارات نفسها والمفردات نفسها والشارع نفسه. أيام للغضب، وأيام للثورة، وأيام للانتفاضة، وأيام للاحتلال، وأيام للتحرير، وأيام للجهاد، وأيام للصمود، وأيام للتصدي... إنها آلام أكثر منها أيام وهي المؤشر الحقيقي على أن العرب يدورون في الدوامة نفسها ويعانون عجزا حقيقيا عن كسر حلقة اليأس والاحباط والهزيمة.
والهزيمة ليست فقط احتلال أرض عربية وإنما انكسار إنسان عربي. والانتصار ليس فقط تحرير ارض عربية بل حرية إنسان عربي وتقدمه وبناء حاضر مزدهر ومستقبل افضل. ولنتكلم بصراحة أكثر. كم ثورة وصلت على جياد الاحلام الوردية وتحولت الى سلطة قمعية بوليسية طائفية وقبلية؟ وكم انتفاضة على سلطة قمعية تحولت مركزا لفساد وتنفيع على حساب الدماء النقية التي اهرقت في سبيل التغيير؟ وكم معارضة اطاحت انظمة ثم ترحم الناس على الانظمة التي اطيحت؟
جميع الكويتيين مع تحرك الشعوب نحو مستقبل افضل لأننا، ورغم كل الصخب السياسي الذي يصم آذاننا في فترات متلاحقة، نؤمن ايمانا تاما بأن حقوق الانسان لا تتعارض مع الامن والاستقرار، ونستغرب حقيقة كيف اختارت انظمة عربية واسلامية طريقا من اثنين فقط بحجة عدم القدرة على السير في الاتجاهين معا: إما الامن والاستقرار وإما الديموقراطية وحقوق الانسان. على اساس أن جرعة كبيرة من الحريات قد تفتح ثغرة laquo;لاعداء الخارج والداخلraquo; للانقضاض على النظام، كما ان تداول السلطة يمكن ان يفسر بانه laquo;انتصار للعدوraquo; على الزعامات التي laquo;يحتاجها التاريخ والمستقبل... الخraquo;. وفي الحالتين اهانة للناس والاهالي الذين يتم تجاوز رأيهم تارة بتخوين مبطن وطورا بتجهيل متعمد.
معادلة laquo;إما الامن وإما الديموقراطيةraquo; معادلة ساقطة منطقيا وواقعيا وشعبيا، فإذا كانت كل دولة عربية تعيش خوفا من إسرائيل أو من دولة عربية اخرى أو من دولة اقليمية فإن اسرائيل العدو الاحقر في التاريخ الحديث تواجه كل الدول العربية من الخارج وثورة فلسطينية مستمرة من الداخل ومع ذلك لم تجد مشكلة في تلازم مسارات الامن والديموقراطية وحقوق الانسان وتداول السلطة.
طبعا، التفكير النمطي العربي يرفض هذا الكلام ويريدنا ان نركز فقط على العدو الاسرائيلي وأمه اميركا وكل الدول الامبريالية وتحميلها سبب تخلفنا وتراجعنا بل وحتى سبب الانتفاضات الشعبية التي تحصل هنا وهناك. كما ان هذا التفكير نفسه هو الذي يبرر لكل ثورة او معارضة او انتفاضة أخطاء رموزها عندما يقلبون السلطة ويؤدون الممارسات نفسها.
نعود الى الكويت التي لا نقول إن أوضاعها وردية واحوالها مثالية. هي دولة مليئة بالاخطاء واحيانا بالخطايا، لكن معادلة laquo;إما الامن وإما الديموقراطية وحقوق الانسانraquo; غير موجودة فيها وبالتالي فان ذلك يفتح كل المسارب امام المشاركة الشعبية في التصحيح والتغيير. وآخر مثال على ذلك قضية تعذيب مواطن حتى الموت من قبل المباحث، فلو لم يكن هناك نائب منتخب يصرح غير خائف من القهر، ولو لم تكن هناك وسيلة اعلامية تكشف غير خائفة من زوار الفجر، ولو لم تكن هناك سلطة على رأسها امير لا حواجز بينه وبين اهله لما كانت القضية تفاعلت وتفجرت وأدت الى ما أدت وستؤدي اليه من محاسبات واصلاحات وتغيير.
نحترم خيارات الشعوب ونطالب بالمزيد من التزام مسارات laquo;الديموقراطية والتنميةraquo; وlaquo;الامن والحرياتraquo; وlaquo;الاستقرار وحقوق الانسانraquo;، من اجل يوم للأمل لا للغضب، ويوم للتقدم لا للتراجع، ويوم للحوار لا للقمع، ويوم للفرح لا للحزن، ويوم للتنمية لا للتخلف... وكلها ايام ترفع أسوار الاستقرار وترسم الابتسامة على وجه المستقبل.