حسام عيتاني


فات السلطات المصرية قطار الإصلاح. كما فات حكومة زين العابدين بن علي قبلها. ولم يعد في وسع الرئيس حسني مبارك سوى اللجوء إلى القوة والقمع العاريين للحفاظ على سلطته. وإذا لجأ إلى ذلك صار كمن يدفع نفسه الى حافة الهاوية.

لم تعد الإصلاحات، مهما بلغت من العمق والاتساع، تكفي. المسار الذي سلكه الحكم في الأعوام الثلاثين الماضية، يمكن تلخيصه بترك الأمور على حالها في مجالات السياسات الخارجية والداخلية والاقتصادية. اضافة الى رفض التعامل مع المسائل الحساسة كالصراع العربي ndash; الإسرائيلي وتوزيع الثروة الوطنية، وجعل الحزب الحاكم تكتلاً للمستفيدين من امتيازات الحكم، والامعان في تعميم الطابع الاستهلاكي على الاقتصاد والموقف من أسلمة المجتمع، وكل ما حملته العوامل هذه إلى مستويات القيم والثقافة والسلوك العام.

أسفر النهج هذا عن خسائر جسيمة في النواحي كافة. فتقلص موقع مصر في العالم وبين الدول العربية بعدما تبين أن دور الوسيط الذي تريد القاهرة الاضطلاع به بين اسرائيل والعرب، يتطلب امكانات وكفاءات لا تحوزها السلطة المصرية. وبات الاقتصاد المصري مكشوفاً أمام التبدلات الخارجية القاسية بسبب الارتباط بالأسواق المالية من دون وجود قوة إنتاجية فعلية. وتفاقم الاستقطاب الاجتماعي بالتزامن مع ضرب أدوات التعبير النقابي والحزبي والإعلامي. وصار في وسع دويلات لم يكن يحسب أحد حساباً لها قبل أعوام قليلة، تحدي الدور المصري في الكثير من الساحات التي كانت حكراً عليه.

ومنذ أشهر، يبدو التوتر آخذاً في التصاعد في مصر. وجرت الانتخابات التشريعية في تشرين الثاني (نوفمبر) في ظل تعنت الحزب الحاكم والسلطات السياسية والامنية بتقليص مساحة التعدد السياسي في البرلمان، ثم وقعت جريمة تفجير الكنيسة في الاسكندرية وما أثارته من أسئلة عن معنى الوحدة الوطنية واتحاد laquo;عنصري الامةraquo;. وقبل الحدثين وبعدهما، جرت جملة من الأحداث، كمقتل الشاب خالد سعيد وغيرها، بدا النظام غير قادر على اتخاذ أي اجراءات تسحب فتيل التذمر والغليان من شارع لا تنقصه عناصر الاضطراب والتوتر.

ما قالته أحداث الأيام الثلاثة الماضية، هو أن مستقبل الحكم قد خرج من أسرة الرئيس الحالي إلى من يمكنه إظهار قدرة على ضبط الشارع أو ترهيبه. المرشحون لأداء الدور هذا، قلة، هم قادة الجيش. والحكمة التي يتعين استخلاصها من أحداث تونس قبل أسابيع، ومن ثورات أوروبا الشرقية قبل عقدين، ومن الثورة الايرانية أواخر السبعينات، تشير إلى أن الأجهزة الامنية تنجح في اقامة وصون جدار الخوف عند المواطنين. أما عن انهيار الجدار النفسي، سواء في طهران أو في برلين أو في سيدي بوزيد، فإن الشرطة أضعف كثيراً من أن تعيد بناءه. الجيش هو المرشح الوحيد للإمساك بالوضع، في وقت تكون فيه أجهزة الامن تبحث عن مخارج لأفرادها.

أما على المدى القصير، فيمكن الركون إلى استنتاجين أولهما أن الوضع المصري لن يعود إلى هدوئه المفرط السابق. وثانيهما أن على مبارك البحث جدياً في السبيل الأنسب لخروج هادئ من الحكم قبل انفلات الأمور.

كان المصريون مستعدين، حتى أعوام قليلة خلت، لقبول بعض من إصلاحات اقتصادية ترفع مستوى معيشتهم مقابل التنازل عن كثير من حقوقهم السياسية. وخطأ السلطة القاتل يكمن في اعتقادها إمكان تجاوز حصتها في المقايضة هذه والمضي في حرمان المواطن من حرياته وخبزه، والذهاب، فوق هذا كله، الى السعي لتأبيد السياسة تلك عبر التوريث.