علي الظفيري

حسناً، لم يسقط النظام في مصر بعد، أو حتى هذه اللحظة على الأقل، لكن خمسة أيام كانت كفيلة بهز كافة أركانه وقواعده، وهذا درس كبير وفيه عِبَر كثيرة لمن يتعظ، لم تشفع السنوات الثلاثون والاستفراد بمقدرات الدولة والقبضة الأمنية الحديدية في تحصين النظام من الثورة الشعبية، لم يعد لديه أدنى رصيد من المصداقية تجعل الشعب يمهله أياماً لإحداث تغييرات من شأنها خفض منسوب الاحتقان، والشعوب بقدر الاستخفاف الكبير والتجاهل الذي طالها من قبل الأنظمة الحاكمة، إلا أنها أثبتت قدرتها على التحرك والتغيير متى توفرت لها جملة من العوامل تساعدها على هذا الفعل. لا يجهل أحد أهمية الدور الذي يلعبه النظام الحاكم في مصر بالنسبة للولايات المتحدة في المنطقة، وبالتالي كان متوقعا أن يحظى ما يجري في القاهرة باهتمام كبير من واشنطن، حتى أن الارتباك شاب سلوك البيت الأبيض جراء الانتفاضة الشعبية هناك، يخرج المتحدث في البيت الأبيض ليقول إن أوباما لم يتحدث مع مبارك، فيعود أوباما بعد خطاب مبارك ليقول إن حديثاً لمدة ثلاثين دقيقة قد جمعه بالرئيس المصري، أعتقد أن سلوك البيت الأبيض جاء هكذا لفرط ارتباكه ومحاولته البقاء بين عدم الاستسلام لسقوط النظام برأسه الحالي وبين محاولته الحفاظ على الترتيبات القادمة للحفاظ على الصفقة التي وصفتها laquo;وول ستريت جورنالraquo; بـإبقاء مصر دولة معتدلة وعلمانية، وهي الترجمة الحرفية لـ مصر تقوم بدور laquo;الدركيraquo; لمصالح إسرائيل والولايات المتحدة في المنطقة.
هرب الأمن من الشوارع ودخل الجيش، وصراحةً أشعر بارتياب كبير منذ اللحظة الأولى لنزول الجيش، فالأمر مختلف عن تونس بشكل كبير، هذا جيش محارب وله عقيدة وتاريخ طويل، إضافة إلى أنه المؤسسة -ولو بشكل نظري- التي تحكم مصر منذ ثورة يوليو، وقد تم تكبيله باتفاقيات سلام مجحفة بحقه وحق مصر منذ ثلاثين عاما، ودرجة الارتباط بينه وبين والأجهزة الأميركية والإسرائيلية كبيرة، ليس سوءاً منه، بل لأنه الوضع الذي وُجد فيه طوال العقود الماضية منذ حوّل السادات وجهة مصر نحو الغرب الأميركي، الجيش ليس بديلا للنظام القائم أبدا، فهو جزء منه، ولا أظن الجيش سيسهم بشكل إيجابي في مرحلة انتقالية سلسة نحو تغيير ديمقراطي في مصر، الجيش والأمن والمخابرات المصرية مؤسسات كبلتها المساعدات الأميركية وأسهمت في صياغة شكلها ودورها وقادتها، وهي تدرك جيداً أهمية التصريح الأميركي بمراجعة المنحة السنوية المعطاة لمصر في حال التغيير غير المنضبط حسب المفهوم الأميركي!
لا بد أيضاً أن نلتفت إلى الإعلام في الحديث عن هذه الثورة المصرية المباركة، الجزيرة على سبيل المثال تراجع دورها في اليوم الأول، وتلقيت شخصيا سيلا من التعليقات عن هذا الغياب في الشبكات الاجتماعية والبريد، وحسب فهمي البسيط أن الانشغال بالوثائق الفلسطينية وهي بالغة الأهمية إضافة إلى محدودية نطاق الأحداث في اليوم الأول، كما أن اتهاما على شاكلة تأليب وتأجيج الأوضاع في مصر قد دفع للتريث قليلا دونما تجاهل للحدث، في اليوم الثاني وبعد أن اتضح الحدث كانت الجزيرة هي الجزيرة التي نعرفها من حيث مواكبتها للحدث وليس قيادتها له، فالترويج بأن الجزيرة تقود التغيير في المنطقة يحمل في طياته اتهاماً لها، الجزيرة ليست مؤسسة سياسية أو حزبية تقود شيئاً ما، هي بكل بساطة مؤسسة إعلامية اختطت لنفسها مسارا صحفيا صرفا، الحدث الذي يستوجب المتابعة تتابعه دونما تزييف أو تحوير، وهذه ليست دعاية أبدا، فالجزيرة من قبلنا ومن بعدنا، والأصوات التي تُلبس الجزيرة أدواراً سياسية أو فكرية تسعى من حيث نعلم لاتهامها وتأطيرها، وهذا غير صحيح على الإطلاق، والدور على بقية وسائل الإعلام التي نجح بعضها بشكل كبير في التأثير والمتابعة، وحاول بعضها تمرير ما يمكن أن يحبط ويعيق ويؤخر من النتائج المرجوة للثورة.
بقي القول إن الفهم الصحيح والسليم وفي التوقيت الجيد هو المطلوب من هذه الثورات الشعبية، الزين فهم متأخراً، والرئيس مبارك لم يفعل بعد وهو متردد في ذلك، أميركا لا تريد أن تفهمنا أبدا، والبقية الذين يراقبون يفعلون شيئا خاطئا، يقولون: نحن مختلفون تماما، وهذا غير صحيح أيها الأحبة!!