أحمد عبدالملك

قرار الملك عبدالله بن عبدالعزيز عاهل المملكة العربية السعودية مشاركة المرأة في مجلس الشورى عضواً اعتباراً من الدورة القادمة، ويحق للمرأة أن ترشح نفسها لعضوية المجالس البلدية اعتباراً من الدورة القادمة أيضاً، ولها الحق كذلك في المشاركة في ترشيح المرشحين بضوابط الشرع الحنيف. وفي حيثيات الخطاب الذي وجهه العاهل السعودي الأسبوع الماضي أن quot;التحديث المتوازن، والمتفق مع قيمنا الإسلامية، التي تصان فيها الحقوق، مطلب مهم في عصر لا مكان فيه للمتخاذلين والمترددين. وإننا نرفض تهميش المرأة في المجتمع السعودي في كل مجال وعملquot;.

هذا القرار وضع المرأة السعودية في موقع متساوٍ مع الرجل، من دون أن تتأخر عنه خطوة واحدة، ولم تعد تابعاً أو متقبلاً سلبيّاً للقرار الذكوري كما كان في السابق. وقد أوضح الملك عبدالله أهمية quot;التحديثquot; وهو شأن ما كان يقبله المزاج الاجتماعي السعودي في الأغلب، ما عدا النخب الإصلاحية الليبرالية التي نادت كثيراً بذلك التحديث عبر المطالبات الإصلاحية المتكررة.


كما أن في قول الملك quot;لا مكان فيه للمتخاذلين والمترددينquot; إشارة واضحة للرد على كل من يحاول تقييد المجتمع، وإلزامه ببعض أمور الحياة التي ما عادت تناسب العصر. وإذا كانت تلك الإشارات قد جاءت من أعلى هرم السلطة في السعودية، فإنها تعد إلزاماً وتشريعاً، وخصوصاً بعد أن تمت استشارة كثيرين من العلماء في هيئة كبار العلماء وآخرين من خارجها، quot;الذين استحسنوا هذا التوجهquot;. وهذه أيضاً إشارة أخرى إلى مشاركة جميع الأطياف، أو النية نحو مشاركة جميع الأطراف في القرار السياسي في المملكة.
لقد ظلت المرأة مهمشة الدور في العديد من ميادين الحياة، وكانت الضوابط الاجتماعية القوية تحد من مشاركتها الفاعلة في خدمة مجتمعها. وعلى رغم تعلمها التعليم الجيد والمتخصص، ودخولها ميادين العلوم المختلفة، إلا أن quot;المزاج الاجتماعيquot; كان لها بالمرصاد دوماً، وكان يتم الركون إلى quot;التعاليم الدينيةquot; في تهميش المرأة، على رغم عدم أحقية زج تلك quot;التعاليمquot; في قضية هذه المشاركة.

ولذلك، فإن المرأة السعودية ستصبح مُشرعة ومشاركة في قرار مجتمعها من خلال القرار الجديد، ونتمنى لها التوفيق بعيداً عن الرؤى الضيقة التي قد تتقبل القرار الجديد الجريء بنوع من الامتعاض أو عدم القبول.

وإذا كانت قضية المشاركة السياسية في مجلس الشورى، ومنح المرأة حق الترشح والانتخاب في المجالس البلدية، يقارنها كثيرون بحقها في قيادة السيارة! وهو موضوع أثار جدلاً كبيراً في الأوساط الدينية والليبرالية، فإن كثيرين يعتقدون أن تلك المشاركة أهم بكثير من قيادة السيارة أو حق السفر. ولذلك، فمن خلال تلك المشاركة سوف تحقق المرأة السعودية ما تأمله من حقوق عبر رؤاها العقلانية التي تستهدف رفع كافة القيود التي يتمترس خلفها كثيرون بقصد إبقائها في كرسي الدرجة الثانية، بينما يواصل الرجل احتلاله للمقعد في الدرجة الأولى! وحتماً سيكون قرار الملك قاعدة لأية مشاركات مجتمعية مقبلة مثل التمثيل السياسي عندما يأتي وقته.

ويُفهم من القرار -والخطاب عامة- إطلاق مشاركة المرأة في خدمة مجتمعها، خصوصاً في مجال التعليم وخدمة المجتمع والمجالات الأخرى التي كانت حكراً على الرجل مثل الإعلام والخارجية والصحافة والمجالات الإبداعية كالآداب والفنون.

وهذا التوجه يضع حدّاً لكل quot;التابوهاتquot; التي كانت تُفرض على المرأة وتقيّد مشاركتها في تلك المجالات التي لا غنى فيها عن مشاركة المرأة لإنجاحها.

وإذا كنا نسعد بمثل تلك القرارات -التي تأتي ضمن التوجهات الإصلاحية في دول مجلس التعاون- فإننا على ثقة بأن القرارات المدروسة التي يتخذها قادة دول المجلس تجاه شعوبهم، هي خير وسيلة لتجنيب المنطقة الاهتزازات والمنغصات التي لا تحبذها الشعوب ولا ترتضيها الحكومات. كما أن التسريع في تلك القرارات الإصلاحية يجعلنا نختصر الوقت ونغلق كل الأبواب التي قد تأتي منها رياح لا نحبذها. كما أن العلاقة الوطيدة والمتأطرة بالتوافق والمسؤولية في هوامش عديدة وواسعة، تجعل من توسيع المشاركة السياسة أمراً ملحّاً، ومن حل المشكلات التي قد تعترض نمو المجتمع وتطوره وتحديثه نحو الشكل المدني جسراً أقوى نحو استمرار تلك العلاقة بما يضمن حقوق المواطنين وتوجههم نحو بناء بلدانهم بعيداً عن التطرف أو الالتجاء نحو التشدد أو العنف الذي يضعف تلك العلاقة ويهدد استمراريتها.

إن مجتمعات دول مجلس التعاون متفاوتة من حيث درجة quot;التحديثquot;! وهذا لا يختلف عليه اثنان! فما يحتاجه المجتمع الكويتي مثلاً قد لا يحتاجه المجتمع السعودي حاليّاً، وما ينشده المجتمع في البحرين قد لا ينشده المجتمع العماني في المرحلة الحالية. ولكن تبقى قضية التحديث مطلباً مهمّاً لكل المجتمعات، والتحديث لا يقوم إلا بسّن تشريعات تجسّد رغبة الحكومات في إرساء قواعد ذلك التحديث. كما أن التحديث ينبغي ألا يكون quot;قشوريّاًquot; أو ديكوراً سياسيّاً، بقدر قيمته وقدرته على تحول المجتمعات وانطلاقها نحو المجتمع المدني الذي تصان فيه الحقوق والواجبات معاً. وترسّخ فيه قيم الحرية والعدالة والديمقراطية.