ابراهيم الأمين
الاستعجال الأميركي للمجموعة العربية بإنجاز خطوات دبلوماسية، وحتى اقتصادية، في سياق محاصرة سوريا، جاء متزامناً مع قرار الإدارة الأميركية رفع مستوى المواجهة ـــــ السياسية حتى الآن ـــــ مع إيران، بينما تشير معلومات دبلوماسيين ناشطين في المنطقة إلى أن تركيا نفسها تواجه تحديّاً مشابهاً لجهة الدور الأمني الذي تقوم به الآن داخل الأراضي السورية دعماً للمنتفضين على حكم الرئيس بشار الأسد.
قبل ذلك، تولّت الولايات المتحدة وفرنسا وتركيا وجماعات ضغط في أوروبا والخليج العربي توفير الشريط اللاصق الذي جمع قسماً من أطياف المعارضة السورية المقيمة في الخارج، وجُمعت في إطار المجلس الوطني، الذي تبدو المواقف داخله متناقضة حيال مستقبل سوريا السياسي، رغم كل الكلام الذي يطلقه أبرز الناطقين باسم المجلس، الدكتور برهان غليون (راجع مقابلته مع laquo;الأخبارraquo; في قسم عربيات)، وخصوصاً في ما يتعلق بالدور الخارجي المطلوب من هؤلاء لإسقاط حكم الأسد.
في هذه الأثناء، عادت القوى البارزة في فريق 14 آذار اللبناني إلى المناخات التي شهدها لبنان في عام 2005. الرئيس فؤاد السنيورة والدكتور سمير جعجع يقولان إنهما يملكان المعطيات والتقديرات العملانية بأن قرار إطاحة الأسد اتُّخذ، وأن قرار laquo;ضربraquo; إيران اتُّخذ أيضاً، وأن التنفيذ جارٍ بشكل أو بآخر، بانتظار الخطوة الأكبر. وهذا ما يبرّر لهما الاستمرار في السير ضمن الخط القائل بوجوب محاصرة النظام السوري والضغط لعدم تحويل لبنان متنفّساً سياسياً أو أمنياً أو حتى اقتصادياً له.
كيف يتصرفون في الجهة المقابلة، حيث المحور المرتكز على القيادة السورية في دمشق وعلى إيران؟
في دمشق، تبدو الصورة مختلفة بعض الشيء. الرئيس السوري بشار الأسد يقول لزواره إن تواصله مع بعض القادة العرب قائم، وإنه تحادث هاتفياً مع بعضهم، مشيراً بالاسم إلى أمير قطر حمد بن خليفة آل ثاني. ويزيد آخرون أن أمير قطر باشر مهمة دبلوماسية مع إيران وتركيا، هدفها احتواء توترات تشمل البحرين وسوريا والعلاقات الإيرانية ـــــ العربية، وأن قطر تخشى انفلات الوضع، وقد تخرج الأمور صوب مواجهة شاملة تخرب كل شيء.
واضح أن السلطات في سوريا تتصرف الآن على أساس أنها تجاوزت مرحلة الخطر على النظام، وأنها دخلت مرحلة الخطر على الاستقرار، وهذا الجانب يبدو معقداً، حيث يعترف أهل الحكم بأن العودة إلى استقرار حقيقي تحتاج إلى جهد أمني داخلي، لكنها تحتاج إلى خطوات سياسية، ويقصد بها تسريع عملية الإصلاحات بغية تنفيس الاحتقان. كذلك إن استعادة الاستقرار الأمني تتطلّب تسويات سياسية مع الخارج، وخصوصاً مع تركيا ودول في الخليج العربي، بما ينعكس وفقاً لما تسمّيه السلطات السورية laquo;العمل الأمني المنظّم داخل سورياraquo; الذي يجري برعاية أجهزة أمنية عربية وتركية، وكذلك وقفاً للحملات الإعلامية والسياسية على الحكم في سوريا.
من جانبها، تبدو إيران ماضية في دعمها اللامحدود للنظام في سوريا. والظاهر من الدعم هو الموقف المانع لأي تدخل خارجي، وخصوصاً العسكري ضد سوريا. والكل صار يعرف الأنباء عن الكلام الذي قاله الإيرانيون لجهات عدة في العالم والمنطقة، من أن التعرض لسوريا يعني التعرض لإيران ويقود إلى نتيجة أكيدة بأن المواجهة ستكون شاملة. وهو أمر ترك أثره المباشر عند الأتراك من جهة، وعند آخرين في العالم أيضاً. لكن الإيرانيين يتحدثون عن أمور أخرى لا تظهر إلى العلن، وهم يشيرون إلى أن التشاور الدائم والمكثف بينهم وبين القيادة السورية يتناول المشاريع الإصلاحية بكل أبعادها الاقتصادية والسياسية. وبحسب ما يقوله الإيرانيون، أوضحت طهران للرئيس الأسد أن الإصلاح حاجة لسوريا أولاً، وحاجة للنظام نفسه ثانياً، وحاجة للشعب السوري أيضاً. وبالتالي، إن الإيرانيين يشيرون إلى أنهم يعرفون حجم الأخطاء المرتكبة في سوريا قبل اندلاع المواجهات أو بعدها. لكنهم يدعون إلى الفصل بين الأمور.
مثلاً، يقول الإيرانيون إن أي جهة في العالم، القريب أو البعيد من سوريا، لا يمكن تفسير موقفها من الأحداث الآن إلا بأنها تهدف إلى تصفية حسابات مع سوريا ودفعها إلى موقف بعيد عن تيار المقاومة. وبالتالي إن إيران لا تنظر مطلقاً إلى كل المواقف الخارجية على أنها دعم لحقوق الإنسان أو لمسيرة الإصلاحات. كذلك يقول الإيرانيون إن الإدارة السورية بمختلف أوجهها تعاني تخلفاً كبيراً، وإن الرئيس الأسد نفسه يعرف هذا الشيء ويقر به، وإنه معنيّ منذ وقت، لا الآن، بمواجهة هذه التحديات.
لكن الإيرانيين هنا يوافقون الأسد على أن عملية التغيير في سوريا ستكون بطيئة، وأن في داخل النظام الآن من يرفض فكرة التغيير أصلاً، وأن أصحاب هذه الوجهة لا يعتقدون أنه يجب القيام بشيء. وهؤلاء يمثلون عقبة حقيقية أمام مسيرة الأسد، وبالتالي إن تجاوزهم ليس بالأمر السهل كما يعتقد كثيرون. أما الأمر الأخير، فهو المتصل بدعم الاقتصاد السوري. ويشير الإيرانيون إلى أنهم يوفرون كل ما تحتاجه سوريا لمواجهة أزمتها الاقتصادية ولتفعيل القطاعات الإنتاجية، وأنه يوجد الآن أكثر من مئة مشروع حيوي بدعم إيراني في طول سوريا وعرضها، وصولاً إلى القول إن إيران معنية بمساعدة سوريا على إيجاد الحلول لتجاوز أي نوع من العقوبات التي يفرضها الغرب عليها.
التعليقات