القدس العربي

طالعنا بأسف شديد المقال المنشور بقلم الكاتب رشيد شريت بالعدد 6946 من صحيفة 'القدس العربي' والصادر بالثاني عشر من الشهر الجاري، وكم أسفنا أن يتم ولأسباب نجهلها إقحام الفنانة لطيفة التونسية بهذا المقال، فليته حتى عند إقحامها استند الى حقائق ووقائع بدلاً من استناده الى معلومات غير دقيقة بل وخاطئة أوقعته بمغالطات ما كنا نتوقعها لكاتب من كُتاب 'القدس العربي' الغراء، وعليه نود توضيح النقاط التالية حرصاً على حق الرد وإيصال المعلومة الصحيحة للقارئ الكريم:
الفنانة لطيفة التونسية وطيلة ومشوارها الفني الذي بدأ منذ عام 1986 واستمر ليومنا هذا لم تقم بتسجيل أي أغنية للرئيس التونسي السابق زين العابدين بن علي، ونتحدى من يأتي بتسجيل لأي أغنية قامت الفنانة لطيفة بغناءها للرئيس زين العابدين بن علي، فالفنانة لطيفة تغنت بوطنها تونس ولم تتغن أبداً بأي حاكم لتونس، فجملة 'قبلها غنت لطيفة التونسية للديكتاتور وأمطرته بالمدح والمديح ولم تترك عبارة تنويه وإجلال وإكبار للزعيم الملهم إلا ورمته بها' لا تنطبق بأي شكل من الأشكال على الفنانة لطيفة.
واستمر الكاتب رشيد شريت ببناء استنتجاته على المعلومة الخاطئة التي وقع في فخها ببداية مقاله، ليستنتج أن الفنانة لطيفة قامت بالتمسح برحاب أبي القاسم الشابي لتغني قصيدة إذا الشعب يوماً أراد الحياة لتكفر عما أسماه خطيئتها 'البنعلية'، ليقع من جديد في فخ معلوماته الخاطئة، فالقاصي والداني يعلم أن قصيدة إذا الشعب يوماً أراد الحياة لم يتم تسجيلها بعد أحداث ثورة تونس، بل تم تسجيلها في شهر نيسان من عام 2003، وكان العرض الأول لها ببرنامج قناديل بيروت مع الإعلامي اللبناني نيشان عبر قناة الجديد وتحديداً في السابع من تشرين الثاني 2003، وكانت الأغنية مقدمة من الفنانة لطيفة للشعوب العربية الثائرة التي تقاوم المحتل في فلسطين، وذلك بعد إندلاع الإنتفاضة الثانية المباركة وحصار المناضل عرفات في مدينة رام الله وإعلان الأسرى الفلسطينيين إضراباً مفتوحاً عن الطعام رفضاَ لظروف أسرهم اللاانسانية في سجون الاحتلال، بالإضافة لما عشناه آنذاك من تبعات احتلال العراق، وذكرى تحرير الجنوب اللبناني، ثم توالت الأحداث التي رسخت نجاح تلك القصيدة المغناة، فكانت الأغنية حاضرة وبقوة بساحة الشهداء عقب إغتيال الرئيس رفيق الحريري وما تبعها من أحداث على الساحة اللبنانية، ومع ثورات الربيع العربي كان صوت الفنانة لطيفة يصدح بهذه القصيدة في الساحات والميادين خلال الثورات التونسية والمصرية والليبية والسورية واليمنية بإعتبارها الأكثر تعبيراً عن ربيع الثورات العربية، وقد قام عدد من الهواة بعمل عشرات الفيديوهات المعبرة لهذه الأغنية على موقع يوتيوب، مع العلم أنه قبلها كانت الفنانة لطيفة قد قدمت من ألحان الموسيقار الكبير د.جمال سلامة قصيدة الكبير أبو القاسم الشابي 'ألا أيها الظالم المستبد' والتي قدمتها لكل الطغاة في العالم وعلى رأسهم الإرهابي شارون وذلك بعد تدنيسه للمسجد الأقصى وشنه حرباً نازية على غزة ورام الله.
وكم تبدو كلمة (النيو مناضلة) سقطة كبيرة وقع فيها الكاتب رشيد شريت، فليس عيباً أن لا يكون متابعاً للحركة الثقافية والفنية، ولكن العيب أن يدلو بدلوه في موضوع لا يملك عنه معلومات كافية وصحيحة، إلا أنه ورغم ذلك قد أصاب عندما قال ان الفنانة لطيفة ليست مناضلة، فعلاً فهي مواطنة عربية تونسية تعشق أمتها العربية تؤمن أن بلدها هي تونس ووطنها هو الوطن العربي الكبير، وهي كما كل انسان عربي إن تألمت عبرت عن ذلك الألم بما تجيده وهو الغناء تماماً مثلما يعبر الكاتب عن آلامه عبر لغة القلم التي لا يجيد غيرها، فلا الأولى ستعتبر متشدقة ولا الثاني سيعتبر متشدقاً، واحساس الفنانة لطيفة هذا لم يكن وليد اللحظة لتصنف نيو مناضلة، فالمتابع للحركة الثقافية والفنية يعلم من هي الفنانة لطيفة، فهي التي قدمت ومنذ بداية مشوارها الفني قبل أكثر من خمسة وعشرين عاماً عشرات الأغنيات الوطنية سواء أكانت لبلدها تونس أم لعدد من الدول العربية في مصر، فلسطين، سوريا، العراق، ليبيا، لبنان، قطر والأردن، وفي عام 1997 وبينما كان يعيش العرب وهم السلام مع إسرائيل قدمت الفنانة لطيفة من كلمات الراحل الكبير نزار قباني وألحان الفنان الكبير كاظم الساهر قصيدة 'من ينقذ الإنسان' التي تتحدث عن حال المواطن العربي الذي يقتل في فلسطين وما كانت تتعرض له القدس آنذاك من حفريات، بالإضافة لحصار ليبيا والعراق واحتلال الجولان وجنوب لبنان، وكانت الفنانة لطيفة أول فنانة عربية تقف أمام مبنى الأمم المتحدة في نيويورك وأول فنانة عربية تقف أمام هضبة الجولان المحتل لتصور هذه الأغنية وعلى نفقتها الخاصة كسائر الأغنيات الوطنية التي تسجلها وتصورها، فلا يوجد بعالمنا العربي من هو متحمس لإنتاج وتسويق أغنية وطنية لا تدر على منتجها أية أرباح مادية إلا أن الفنان ينتجها على حسابه الخاص ليرضي طموحه بالتعبير عن ما بداخله من آلام جراء ما تتعرض له بلادنا العربية من حروب ومؤامرات وذلك حباً لوطنه وإيماناً منه بقضاياه العادلة.
بالنهاية أود التأكيد والتذكير أن قصيدة أهيم بتونس الخضراء للفنانة لطيفة كانت تذاع بكثافة عبر وسائل الإعلام التونسية إبان حكم النظام السابق وقبل سقوطه، وبعد الإعلان عن سقوط النظام كانت قصيدة أهيم بتونس الخضراء أول مادة يتم بثها عبر وسائل الإعلام التونسية المختلفة واستمر بثها لعدة أيام وبشكل مكثف بين الفواصل والبيانات العسكرية التي كان يتم توجيهها للمواطنين، وأغنية وقفة عز التي قدمتها الفنانة لطيفة للشعب الليبي إبان فترة الحصار تم بثها بكثافة عبر وسائل إعلام النظام السابق تماما كما بثتها بكثافة وسائل إعلام المعارضة والمجلس الإنتقالي فهى تتحدث عن الشعب الليبي البطل ولا تمجد حاكم أو نظام، فالفنانة لطيفة مطربة وطن وليست مطربة نظام، وأغنياتها لا ترتبط بحقبة زمنية معينة أو بنظام معين، وإن قامت يوماً بتوجيه تحية للرئيس السابق زين العابدين بن علي وزوجته بأية إطلالة تلفزيونية أو إذاعية فهذا أمر لا يعيبها بشيء، فهو قد تم علناً وأمام الملأ، كما وأنها كانت تحيي وتجامل رئيس بلدها الشرعي آنذاك والذي كان يصوره الإعلام على أنه وزوجته أصحاب المبادرات والإنجازات، وهي إن حيت أو جاملت أي رئيس عربي سابق فهذا لا يعيبها بشيء فهي بالنهاية لم تقم بتحية أو مجاملة شارون أو باراك، والفنانة لطيفة مثلها مثل سائر أفراد الشعب التونسي لم تكن على دراية بحجم الفساد الذي كان موجوداً فكل الحقائق تكشفت بعد سقوط النظام.
ليس من المعقول أننا بعد أن انتزعنا حريتنا من فم الديكتاتور نتفرغ للتشكيك بالأخرين ومصادرة حريتهم بتأييد أو معارضة من يشاءون، فمهاجمة نظام سابق أو الدفاع عنه لن تقدم أو تؤخر فالنتيجة حتمية وواحدة انه حان وقت العمل ولا شيء غير العمل.
ادهم اسامة سكيك
إدارة أعمال الفنانة لطيفة التونسية