التمسك بها يخيف الجميع

دبي

يتساءل المرء منذ أن بدأت حركة الاحتجاجات في العالم العربي هل تفتح هذه الحركة الأبواب على مصراعيها أمام الانخراط الإسلامي السياسي في الحالة السياسيّة؟ مع أنه لم يكن للإسلام السياسي أي دور في انطلاقها منذ البداية حتى أنّ دعمها كان محدوداً بدءاً من تونس حيث وقف حزب quot;النهضةquot; والذي حصل على 40 بالمائة من الأصوات في الانتخابات الأخيرة بعد نجاح الثورة، والآن يحضر نفسه لترشيح أحد قيادييه لتولي منصب رئيس الوزراء مع أنّ هذا الحزب حتى اللحظات الأخيرة من الثورة كان متردداً ولم يكن له حضور يحكى عنه في المشهد الحراكيّ الشعبيّ، ومروراً بمصر حيث quot;الإخوانquot; فعلى الرغم من نشاطهم المكثّف قبل الثورة في معارضتها لنظام مبارك حيث وقف بهيئة متفرج وأبعد نفسه من الحالة الثوريّة. وفي بعض الجوانب كانت مواقفه معيقة للثورة، ولا سيما في السجال الذي دار حول الحوار مع النظام، ولا نستغرب أنّه في بعض الأحيان كان quot;الإخوانquot; يتبعون سياسة التخندق سبيلاً للفعل السيّاسي السلبيّ غير مكترثٍ بهذه الثورة وبآمالها المتوخاة.

وبعد النجاح الجزئي للثورة في مصر علا صوت quot;الإخوانquot; إلى درجةٍ أساء فيها للثورة خصوصاً بعد أن ظهر على السطح عدد من التيارات في حاضنة quot;الإسلام السيّاسيquot; المصري، وانتهاءً بليبيا حيث كانت الصبغة الإسلاميّة للثوار ظاهرة للعيان إلا أنّه لم يكن متوقعاً أسلمة ليبيا إلى هذا الحد.

في الحالة المصرية لم يكن السجال الذي جرى ويجري بين الأطياف المصرية خادماً للثورات في بلدان العالم العربي حيث كان لظهور تلك التيارات الإسلاميّة سواءً أكانوا سلفيين أم إخواناً أم متطرفيين تأثير سلبي على الثورة في سوريا حيث أبدى العديد من الجهات تخوفهم من التغيير ولا سيما الأقليّات الدينيّة وحتى العرقيّة، فمثلاً الكرد يتخوفون من الطروحات الإسلاميّة إلى درجة لم يعد يصدقون فيها إلى درجة كبيرة ما يقال من قبل quot;الإخوانquot; على أنّ الدولة المرتقبة هي دولة مدنيّة ديمقراطيّة تعدديّة.

في الحقيقة إنّ التمسك المبالغ فيه من قبل الإسلاميين بأن يكون المصدر الأساسي للدستور هو الإسلام يخوّف الجميع، ويخوف أكثر الذين يقفون على الحياد حتى الآن من الثورة، حيث استطاعت السلطة أن تعمّم هذه الفكرة في ذهنيّات بعض الاتجاهات والفعاليّات الاقتصاديّة، وخصوصاً أنّ الكثير من الأطراف المعارضة السوريّة ذهبت إلى تركيا وعقدت أكثر من اجتماع لها وأسست لهيئاتِها.

كما أنّ عقد مؤتمرين للمعارضة السوريّة في نفس التوقيت شغّل الأذهان أحدهما في تركيا، ولقاء آخر في باريس، وكان واضحاً (بل أعلنوا صراحة ) أنّ المؤتمر الذي انعقد في باريس كان مؤتمراً علمانيّاً ولعل نتائجه كانت أفضل من النتائج التي تمخضت عن مؤتمرات اسطنبول.

في باريس لم يحدث تباين كبير بين المجتمعيين، أمَّا في تركيا فما أن انقضى المؤتمر إلا وكان الخلاف سيد الموقف، وهذا إن دلّ على شيء فإنمّا يدلُّ على مؤشر سلبي في سجال المعارضة السورية، إذ أن الصراع المؤجل بين التيارات الفكريّة في سوريا هو الصراع بين علمانيّة الدولة وإسلاميتها، وربما تأتي عروبيّة الدولة في المرتبة الثانية من الخلاف الذي سيحدث حينما تتجاهل الأطراف المعارضة تطلعات الكرد أو الآشوريين حينها ربما سيكون الحديث عن هويّة الدولة وعروبيتها متعباً.

ويرفض الإسلاميون مفهوم الدولة العلمانيّة بل يريدون دولة إسلاميّة، وربما مرد طلب أردوغان لعلمانيّة الدولة المصرية هو خوفه من مستقبل غير مبشر للمصريين، حيث ينذر بالصراع التناحري القاتل في حواضن الفكر والسيّاسة المصريّة.

ويشار أيضاً إلى الخطاب الذي ألقاه رئيس المجلس الانتقالي الليبي، حيث أكد بشكل مبالغ لإسلاميّة الدولة وكان تبشيره ndash; واعتباره أول إنجاز لثورة- لإزالة القانون الذي كان سائداً في الحقبة القذافيّة في منع تعدد الزوجات محل عدم الرضا لدى غالبيّة المراقبين خاصةً وقد أتى هذا الإعلان في لحظة الإعلان عن تحرير ليبيا.. هذا كله مؤشر على أنّ الإسلام اليوم ليس بعيداً بمسافة كبيرة عن الإسلام القديم، ومن يدري ربما كان إخفاق الجزائريين في تفعيل ثورتهم -بالرغم من وجود قوة كبيرة كامنة للثورة ndash; كان بسبب تخوّف الدول وكذلك الجزائريين أنفسهم من بلوغ الإسلاميين للحكم حيث كان للجزائريين تجربة مرّة مع الإسلاميين، ولا يخفى على أحد أنّه ما زالت تداعيات تلك الحقبة حاضرة بقوة في الجزائر حتى في أذهانناhellip;أنسينا إنّ أحد أسباب إخفاق quot;ربيع دمشقquot; كان بسبب تنويه عبد الحليم خدام (على مدرج جامعة دمشق) لـquot;من يروّج لفكرة التغيير يريد جزأرة سورياrdquo;!؟

بقي القول إنّ تحقيق الشرط الإسلامي في الثورة خصوصاً في منطقتنا لا يعنى بفتح آفاق تغيريّة جديدة أمام الأبناء لمواكبة التطورات على كافة الأصعدة، لكن ما نريده اليوم هو الانفتاح على الجميع وكذلك تحقيق تطلعاتنا الحياتيّة والروحيّة!

فاروق حجّي مصطفى

ينشر بترتيب مع مشروع quot;منبر الحريةquot;