علي إبراهيم

الثورة السورية بقدر ما تتميز بسمات مختلفة وخاصة عما حدث في البلدان العربية التي شهدت ثورات وأطلق عليها بلدان laquo;الربيع العربيraquo;، بقدر ما تحمل معها أسئلة كثيرة محيرة بالنسبة إلى العالم الخارجي الذي يراقبها، سواء بإعجاب أو بقلق، ويشعر بأن هناك كثيرا مخفيا لا يراه الداخل السوري.

سوريا تدخل من دون شك في حزمة laquo;الربيع العربيraquo; بانتفاضة شعبها المستمرة منذ أكثر من 8 أشهر بصمود عجيب، رغم أن الرئيس السوري اعتبر في البداية العاصفة في تونس ثم مصر مستحقا وأيده، معتبرا أن سوريا لها وضع مختلف، باعتبارها دولة ممانعة أو مقاومة إلى آخر هذه المصطلحات التي مل منها الناس واكتشفوا زيفها، والمؤكد أنه كما أن ما حدث في تونس أعطى متظاهري ميدان التحرير الزخم المعنوي، فإن الأخير أعطى زخما معنويا للسوريين بأن التغيير ممكن، ونستطيع أن نراهن على أن الأسد يتمنى الآن لو كان مبارك وبن علي لا يزالان في الحكم، فالمهاترات الكلامية مقدور عليها، لكن مواجهة شعبك الراغب في حياة أفضل أمر آخر، ولذلك كانت دمشق الرسمية مع القذافي حتى آخر لحظة.

لكن انتفاضة الشعب السوري أخذت وضعا مختلفا جلب معه الأسئلة الحائرة، فعلى عكس تونس ومصر، اللتين رفض فيهما الجيش إيذاء الشعب، فإن الموقف في سوريا كان مختلفا من قبل الجيش أو على الأقل قطاع منه تابع مباشرة للحكم، وهو ما أدى إلى حمام الدم الذي نراه. وعلى الرغم مما نراه من مشاهد دبابات وطوابير المجنزرات التي تدخل المدن وتعطي انطباعا بأن هناك نظاما يشن حربا على شعبه، فإن السوريين واصلوا انتفاضتهم حتى اليوم بشجاعة وصمود أثارا إعجاب العالم وأعطيا صورة للعالم مختلفة عن سوريا، التي كان هناك اعتقاد بأنها ساكنة، وإذ بالعالم يفاجأ بشعب يغلي ويكافح بإصرار من أجل انتزاع حريته على الرغم من فداحة الثمن المدفوع.

ولأن تركيبة النظام في سوريا تشبه الأنظمة الحديدية الشيوعية في الستينات والسبعينات قبل انهيار جدار برلين، فإن الكثير مما جرى غير مفهوم أو معروف للعالم الخارجي، فلشهور طويلة ظلت مسألة الثوار السوريين المصرين على الخروج كل يوم وكل جمعة محيرة، لا أحد يعرف من هؤلاء وكيف ينظمون أنفسهم، ولماذا يواجهون بصدورهم كل أصناف أجهزة القمع من شبيحة إلى مخابرات وحتى الدبابات، حتى بدأت بعض وجوه المعارضة تعرف، وبدأ اسم تنسيقيات الثورة ينتشر.

وقد أصر هؤلاء على توصيل صوتهم للعالم من خلال شرائط الفيديو والشعارات واللافتات التي تفننوا فيها، على الرغم من أن حظهم كان أقل من نظرائهم في تونس ومصر وليبيا، فلسبب محير كان هناك لفترة تردد في تأييدهم، وهذا أحد الأسئلة الحائرة، فمجلس الأمن لم ينجح في قرار حتى الآن ولو شكلي، والفرص منحت الواحدة بعد الأخرى، دوليا وعربيا، للنظام لإنقاذ نفسه، ولم يستفد منها، وآخرها المبادرة المنطلقة من الجامعة العربية، التي أعلن قبولها بكل بنودها ولم يتغير شيء على الأرض.

وعلى الرغم من نفاد الصبر إقليميا ودوليا، فلا يزال البعض يبتلع طعم ورقة الطائفية التي يحاول النظام إلصاقها بالمعارضين واللعب على وتر تخويف الأقليات، وكأن الأقليات لن تستفيد من أي مناخ حرية يحدث نتيجة تغيير النظام!

الواضح أن النظام السوري تحت ضغط شديد إقليميا ودوليا، فليس له أصدقاء حاليا سوى حفنة غير مؤثرين، وإيران التي بدأت هي الأخرى تتململ وتوجه انتقادات مبطنة، وبالطبع فهو تحت ضغط شديد داخليا، ولا بد أن تكون هناك مراكز أو شخصيات داخل النظام أو في مؤسساته تفكر في أن الممسك بدفة القيادة يقود السفينة كلها إلى الاصطدام بالصخور ليغرق الجميع وقتها ما لم يبدأوا من الآن في القفز منها. قد لا نستطيع أن نرى ذلك حاليا، لكن الحالات التاريخية المشابهة كلها شهدت موجة القفز عند نقطة معينة، متى يحدث ذلك، ربما يكون قريبا، فلا بد أن هناك من يفكر بأن الباب بدأ يغلق، وأن النظام فقد فرصه، فحتى لو استطاع البقاء فسيصبح أشبه بنظام صدام حسين في آخر عام له.