لندن
باصدار الجامعة العربية قرارها بتعليق عضوية سورية فيها واعطاء الحكومة السورية 'الفرصة الاخيرة' لوقف العنف والا واجهت العزل والعقوبة تدخل الازمة السورية مرحلة جديدة بحيث تثير مخاوف الى احتمال نقل الملف الى الامم المتحدة على غرار ما حدث مع ليبيا او الاعتراف بالمجلس الوطني السوري الذي ظل يطالب الجامعة العربية باتخاذ موقف متشدد من نظام الرئيس بشار الاسد.
وهذه اول مرة تتخذ فيها الجامعة قرارا قويا ضد دولة محورية وعضو مؤسس فيها، وبحسب مراقبين نقلت عنهم صحف امريكية فان الحكومات العربية باتخاذها القرار تريد ان تظهر بمظهر الديمقراطية وتبدو قوية خاصة انها تعاني من مشاكل داخلية. ولاحظت صحيفة 'نيويورك تايمز' انه عندما كانت الجامعة العربية 'ناد للحكومات الديكتاتوية' فان كلا من مصر والسعودية كانتا تدوسان على الكابح لوقف العربة لكن في ظل التغيرات العربية ولان دولة قطر المبتهجة بنجاح جهودها في ليبيا تقوم باعادة كتابة الصيغة السابقة.
وتعتقد الصحيفة ان الاحباط العام من المشاركين من النظام والعداء الشخصي بين بشار الاسد والقادة القطريين ادى الى صدور القرار. ونقلت عن محلل لبناني قوله ان القطريين كما يريدون يتقدمون ويدفعون الاجندة بدون ان يقف امامهم اي احد لان النظام السوري لا زال يقتل ابناء شعبه. فبحسب ارقام الامم المتحدة فان اكثر من 3500 مواطن سوري قتلوا منذ اندلاع الازمة في اذار (مارس) الماضي وبلغ عدد القتلى منذ ان قبلت دمشق بالمبادرة السورية حوالي المئة. وتطابق الموقف في الجامعة العربية مع الموقف الامريكي حيث رحب الرئيس باراك اوباما بالقرار ووعد بمواصلة الضغط على نظام دمشق. وترى الصحيفة انه عندما قررت الجامعة التحرك ضد النظام الليبي فقد كان نظاما لا يحظى بشعبية واسعة مقارنة مع سورية العضو المؤسس والتي توصف بانها قلعة العروبة وقائدة معسكر الممانعة. ونقلت الصحيفة عن دبلوماسيين قولهم ان الدول العربية ونتيجة لمواقف بعض اعضائها خاصة الجزائر تسير بحذر ولا تريد ان تعطي مجلس الامن الدولي ورقة مفتوحة كما فعلت مع ليبيا، وقال دبلوماسي انه في حالة تعرضت سورية لضغوط من اطراف عربية فانها قد تقوم باتخاذ اجراءات والاستجابة اكثر مما لو تعرضت من اطراف خارجية. ومع ذلك فان المحللين يرون ان القرار هيأ المسرح لتدخل دولي، كما اشارت 'لوس انجليس تايمز' على الرغم من تأكيد وزير الخارجية القطري الشيخ حمد بن جاسم آل الثاني ان لا احد يتحدث عن منطقة حظر جوي، مع انه لم يستبعد اللجوء الى منظمة دولية كالامم المتحدة. وفي حالة فرض العقوبات فانها اقتصادية وسياسية على الرغم من ان قرار الجامعة العربية لم يقم بتحديدها، وسيشجع القرار دول الجوار والدول الاجنبية على فرض عقوبات موسعة. ويظل المجتمع الدولي منقسم حول سورية خاصة رئيس الوزراء الروسي فلاديمير بوتين حذر من اثار التدخل الدولي الكارثية على سورية وانتقد بريطانيا وفرنسا وامريكا على ما اسماه الفضيحة التي ارتكبت بحق القانون الدولي عندما دعمت جانبا واحدا من طرفي النزاع في ليبي
. وكانت روسيا والصين قد استخدمتا حق النقض الفيتو ضد قرار يدين سورية. ولكن النظام السوري على الرغم من الدعم السياسي الذي يلقاه من اطراف دولية الا ان مشكلته هي اقتصادية فعقوبات ستضر بالنظام خاصة ان نقطة ضعفه هي الاقتصاد، وحتى الان لم تغير مدينة حلب - العاصمة الاقتصادية للبلاد موقفها تجاه النظام، لكن توقف تصدير النفط الى اوروبا وتوقف حركة السياحة وزيادة معدلات التضخم لن تكون في صالح النظام.
ويرى دبلوماسيون اوروبيون ان توقف تصدير النفط لاوروبا ادى الى نقص معدلات انتاجه الى نسبة 75 بالمئة، وهو امر مضر للاقتصاد لان النفط يمثل 15- 35 من حجم الناتج القوم. وقالت 'نيويورك تايمز' ان الحكومة السورية لم تدفع للشركات الاجنبية منذ شهر آب ( اغسطس) وان العمال الصينيين بدأوا يغادرون الحقول النفطية في دير الزور شمال البلاد. وعلى الرغم من اعتبار عدد من التحليلات القرار بمثابة صفعة للنظام السوري الا ان معارضين من داخل سورية يرون ان القرارلن يؤدي الا الى زيادة العنف ولن يغير شيئا. ونقل عن لؤي حسين قوله ان هدف النظام هو السيطرة على الوضع وعليه فان تعليق العضوية لا قيمة له.
ومع ذلك ترى صحيفة 'لوس انجليس تايمز' ان القرار يمثل صفعة لدولة ظلت تعتبر نفسها قلب العروبة. وفي قراءة اخرى للقرار فانه ادى الى وضع سورية وحليفتها ايران وحزب الله في حالة من العزلة ان لم تكن النبذ، وجاءت معارضة لبنان للقرار كاشارة على عودتها للمربع السوري بعد تواجد سوري فيه استمر 29 عاما. وفي طيات القرار ايضا رد عنيف من الجامعة العربية التي شعرت بان النظام السوري سخر منها بعد قبوله المبادرة العربية بداية الشهر الحالي ولكنه واصل عمليات القتل كما اظهر تقرير منظمة 'هيومن رايتس ووتش' الذي اتهم النظام السوري بارتكاب جرائم حرب. وفي الوقت الذي عبر فيه نبيل العربي عن فقدان صبر الجامعة العربية من النظام السوري الا ان الجامعة العربية مثل الاتحاد الاوروبي لا تستطيع فرض سياسات على اعضائها مما يعني ان القرار يظل رمزيا، فبالاضافة لكونه ضربة شخصية للاسد فان يكمل عزلة سورية عربيا ودوليا. وتقول صحيفة 'ديلي تلغراف' ان قرار الجامعة العربية سيزيد من الضغوط على كل من روسيا والصين كي تدعمان الجهود الدولية لفرض العقوبات على سورية. ونقلت عن دبلوماسي اوروبي قوله 'نحن فرحون' بالقرار ما 'سيزيد من فرصة اعادة احياء قرار مجلس الامن، وستجد كل من الصين وروسيا صعوبة في تبرير عدم دعمها للقرار'. ومع ان قرار الجامعة هو الثاني في تاريخها منذ عام 1945 حيث تم تعليق عضوية مصر عام 1979 بعد توقيع انور السادات معاهدة كامب ديفيد مع اسرائيل الا ان دور الجامعة العربية في سورية وان بدا في البداية ضعيفا لكنه زاد بعد مخاوف الدول الاعضاء خاصة دول الخليج من استمرار الازمة وتحولها لحرب اهلية تؤثر عليها، وجاء الموقف الخليجي بسبب شكوكها من التأثير الايراني خاصة ان سورية تقيم تحالفا مع ايران منذ الثورة الايرانية. فمن خلال معاقبة دمشق فان الدول العربية ترسل رسالة قوية لطهران.
وفي القرار الاخير الذي اعطت فيه الجامعة العربية النظام السوري اربعة ايام لتطبيق مطالبها فانه يبدو في نظر الكثير غير واقعي، فقد اشارت مجموعة الازمات الدولية الى ان المبادرة العربية تعاني من القصور لانها تطلب من النظام سحب قواته من المدن واطلاق سراح المعتقلين والسماح للجامعة العربية والاعلام الاجنبي وما الى ذلك، ومن هنا فان غموض شروطها تعطي النظام فرصة للتفاوض على طرق تطبيقها وان وافق على مبادئها. وفي النهاية فان تداعيات المبادرة العربية والقرار العربي الاخير قد تقود الى تمترس النظام السوري وزيادة العنف والتخندق الطائفي في ظل زيادة ملامح عسكرة الانتفاضة. وعلى الرغم من عدم وجود ادلة على دعم خارجي للمقاتلين السوريين ضد النظام الا ان تركيا تستضيف ما يسمى بجيش تحرير سورية، كما ان دعوة المعارضة السورية للتدخل الاجنبي ودعوات عدد من المقاتلين لمنطقة آمنة ما هي الا طلب ضمني للتدخل الاجنبي. ويرى تحليل للمنظمة ان اسوأ ما يخشاه النظام السوري هو عزلته وفي حالة تطور الامور وعدم وفائه بتعهداته فان قرارا عربيا وهو ما حدث سيعطي المجتمع الدولي وسيلة ضغط تكون تحت تصرفه.
التعليقات