عدنان حسين
كان يُسري الطريقي طالباً مُميزاً في كلية العلوم بمدينة بنزرت التونسية (60 كيلومتراً شمال العاصمة تونس)، بحسب ما يؤكد شقيقه. وبدلاً من أن يشق طريقه نحو التحصيل العلمي الجامعي والحياة المهنية وتشكيل عائلة جديدة قرر الطريقي أن يمضي في طريق أخرى أفضت به إلى نهاية مؤسية لحياته بحبل مشنقة في مدينة بعيدة آلاف الكيلومترات عن جامعته ومدينته وبلاده وعائلته التي لم يترك لها سوى اللوعة.
يُسري الطريقي كان في السابعة والعشرين فقط من عمره يوم أعدم في بغداد منذ أيام، وقد دخل إلى العراق سراً في العام 2003 مُرسلاً من تنظيم القاعدة لكي ينخرط في quot;الجهادquot; ضد القوات الأميركية. وظل الطريقي نحو ثلاث سنوات يتنقّل داخل العراق يؤدي مهمات لصالح quot;القاعدةquot; التي نظّمت آلاف عمليات التفجير والقتل سقط فيها عشرات الآلاف من القتلى والجرحى أغلبيتهم الساحقة من المدنيين الذين لم يكن لهم أي ذنب سوى أنهم عراقيون يعيشون في مدنهم وقراهم التي اختارت أن تفجر فيها quot;القاعدةquot;.
الشاب القادم من تونس شارك شخصياً في عمليات قتل وتفجير عديدة، بينها واحدة كانت لها عواقب أكبر من عواقب زلزال بقوة 6 درجات على مقياس ريختر، ففي شباط (فبراير) 2006 فجّرت القاعدة مرقداً مقدسا لدى الشيعة في العراق وخارجه ومبجلاً لدى السنة الذين تولوا خدمته منذ أن وجد قبل نحو 1000 سنة، هو مرقد الإمامين العسكريين في سامراء. وأشعل التفجير حرباً طائفية غير مسبوقة في تاريخ العراق أدت إلى مصرع عشرات الآلاف من الشيعة والسنة وتهجير مئات الآلاف داخل العراق والى خارجه. ولم يزل العراقيون يعانون حتى اليوم آثار ذلك العمل الإرهابي الكبير الذي كان الشاب التونسي يُسري الطريقي أحد منفذيه. بل انه اشترك في اليوم التالي في جريمة قتل أخرى راحت ضحيتها مراسلة قناة quot;العربيةquot; الصاعدة يومها أطوار بهجت وعدد من زملائها الذين لم يكن لهم ذنب سوى أنهم إعلاميون كانوا في طريقهم إلى سامراء لأداء واجبهم المهني في تغطية حدث التفجير.
لم يكن الطريقي الوحيد الذي شارك في التخطيط لتفجير سامراء وتنفيذه، بل كان هناك آخرون، عراقيين وعرباً، ألقي القبض على بعضهم وقدّموا إلى القضاء الذي حكم عليهم بالإعدام. ولذا فلم يكن هو الوحيد الذي أعدم الأسبوع الماضي، فإلى جانبه على منصة الإعدام كان مصري واحد وتسعة عراقيين بينهم امرأة، وقد أدينوا جميعاً بالإرهاب والقتل.
الإسلاميون في تونس سعوا إلى إنقاذ الطريقي من حبل المشنقة باستصدار عفو رئاسي في بغداد عنه، ووسّطوا لهذا الغرض الرئيس التونسي الذي لم يفلح في مهمته، فاحتج إسلاميو تونس احتجاجاً شديداً وشنوا حملة على العراق.
شخصياً لا أؤيد الحكم بالإعدام على أي شخص لأي سبب، حتى أنني لم أكن أرغب في إعدام صدام حسين، الشخص الوحيد الذي كنت أعدّه عدوي الشخصي.
سؤال بسيط إلى إسلاميي تونسي: لو أن عراقياً دخل إلى تونس سراً وفجّر دكانا صغيراً في أي بلدة تونسية وتسبّب في مقتل شخص تونسي واحد وحكم عليه القضاء التونسي بالإعدام، فهل كنتم ستحتجون؟
التعليقات