سعود الريس

خرج تقرير بسيوني المتعلق بتقصي الحقائق اثر الاحداث المؤسفة التي شهدتها مملكة البحرين، وكما كان متوقعاً، فرضت الانتقائية نفسها على طرفي المعادلة هناك، واحتفى كل فريق بما يدين الفريق الآخر، في وقت كان ينتظر ان يؤدي ذلك الى التمهيد لمستقبل افضل. لكن ما يحصل هو ان النظام السياسي حقق العديد من المكاسب جراء التقرير، فيما المعارضة تسعى لتحقيق مكاسب، الاشكالية هنا ان المكاسب المطلوب السعي لها هي تلك التي تنعكس على الشارع، وهذا مالم يتضح الى الآن.

من جانب النظام هناك لا املك شخصياً إلا أن أشيد بالخطوة التي اقدمت عليها حكومة البحرين، فهي سواء اقتنعت بها المعارضة او لم تقتنع خطوة جريئة كانت تتطلب شجاعة للاقدام عليها، فلم يكن مفروضاً على البحرين المطالبة باللجنة، وايضا القبول بنتائجها كافة مثلما حدث، وايضاً لا يفوتنا انه سبق وان اقرت الحكومة خلال الاسبوع الماضي بوقوع تجاوزات وكان بالامكان الركون عليها، لكنها فضلت تقديم ذلك التنازل لدعم اي مبادرة قد تدعم استقرار البلاد. من جانبها، وكما كان متوقعاً، احتفت المعارضة بما يتناسب مع توجهاتها، والتقطت ما تضمنه التقرير عن عدم وجود ما يدل على تورط ايراني بالاحداث، وتغنت بالتجاوزات التي وقعت، لكن لم يكن لديها من الجرأة ما لدى الحكومة للاعتراف بان المتظاهرين ايضاً ارتكبوا تجاوزات، وهذا يحسب على المعارضة اكثر مما يخدمها، فالتقرير الذي برأ ايران، هو ذاته الذي برأ درع الجزيرة من اي اعمال سعت المعارضة ورموزها والاعلام الايراني ومن تبعه الى إلصاقها بتلك القوات المتواجدة بطلب رسمي، واذا سلمنا بما يدعيه رموز المعارضة ان الحكومة كانت تسوق الافتراءات لإضعافها، قد نفهم ذلك واي مراقب محايد سيفهمه، لكن ان تقوم حركة تحت مسمى ثورة وتلجأ لاكاذيب وافتراءات وقلب الحقائق، فذلك يضع اكثر من علامة استفهام حول الحقوق التي تدعيها طالما هذه اساليبها، بل واصرارها على تلك الاساليب، فحتى اواخر الاسبوع الماضي كان احد قياديي الوفاق، خليل المرزوق يتغنى بعدم ادانة ايران وفي المقابل يكيل التهم على السعودية تارة وعلى درع الجزيرة تارة اخرى، الى ان انهزم اخيراً وأقر بعدم وجود أدلة على اتهاماته ما يعني ان ما ساقته المعارضة وتشدقت به على قناة العالم وباقي القنوات الموتورة كان كذباً وافتراء، واذا افترضنا ان بسيوني وتقريره كشفا هذا الامر، اذا الوضع يحتمل المزيد من الاكاذيب طالما المطلوب من تلك الرموز الخروج بحسب الشروط الايرانية التي تتطلب توجيه الاتهامات والافتراءات للسعودية ومن حذا حذوها واللجوء لتجييش المشاعر والطعن في كل ما يخالف توجهاتهم.

امام هذه المعطيات تتضح قلة خبرة المرزوق، وسيطرة السذاجة على طرحه، وايضاً ضعف حجته، وهو للامانة على النقيض تماماً من الشيخ علي سلمان الذي تختلف معه لكن يجبرك على احترامه لانه يتحدث عن قناعات تخصه في شكل مباشر يسعى لتثبيتها، ولعل الاختلاف والفارق بين الرجلين هو ما يقود الشارع الى الانفلات وينعكس سلباً على الجمعية التي يمثلانها فانقسام الرأي كان واضحاً حيال تقرير لجنة تقصي الحقائق، فالاول كان مرناً، فيما الثاني سعى لاظهار تشدده، وكلاهما يتحدث باسم الشارع.

عموماً، ما يعنينا من كل ذلك هو التقرير وما يمكن ان ينقلنا اليه، فطالما التزمت حكومة البحرين بتنفيذه باختيارها، اذاً عليها ان تطبقه كما ورد، فالتقرير كان واضحاً وصريحاً لا سيما في شقه المتعلق بتنفيذ التوصيات، لكن تمت احالتها الى لجنة حكومية، وهو ما يتنافى مع تلك التوصيات، وايضاً استغلتها المعارضة، وذلك قد يودي بكل الجهود المبذولة، اما المعارضة، فينبغي عليها في هذه المرحلة عدم التعالي وتضييع هذه الفرصة مثلما فعلت مع مبادرة ولي العهد في بداية الازمة، واذا كنت اعتقد فانما انا آمل ان تستغل هذه الفرصة طالما يد الدولة ممدودة الآن، والتفكير قليلاً بالمواطن الذي تشرد من عمله وذلك الذي يبحث عن قوت يومه فلا يجده، فهذا ما يجب ان تسعى له المعارضة، ان تتخلى قليلاً عن الأحلام السياسية وتفكر في تأمين من تسببت الفوضى في تشريده او اعاقته او حتى تشرد اسرته، وبخلاف ذلك، سواء اقتنعت ام رفضت المعارضة، فالسعودية مهما تم السعي للاساءة لها ستبقى شامخة، لن يضرها ترويج اشاعات ولن يضعفها، وستبقى هي الاولى بالتواصل من اي دولة في الجوار، وستبقى يدها ممدودة باتجاه الدول كافة لاسيما البحرين بسنته وشيعته، فالعلاقة تاريخية وعلى الجميع أن يعي ذلك!