عبدالعزيز محمد قاسم

quot;يا إخوة القطيف: آلَمَتْنا.. وجرحتْنا.. وكادت أن تنزع كل ما في وجداننا من تعاطف معكم رؤيتُنا فيديو مظاهرةٍ منذ أيام ترفع راياتٍ كُثر.. بحثت عن راية المملكة فلم أجدها.. أهذه دعايتكم ورسالتكم لنا؟ بِئست، والله، الرسالة.. وسحقاً لمن هداكم لها. لن يواجهها جنود. بل ملايين السعوديين. شبابُهم قبل شيوخهم، ونساؤهم قبل رجالهم.. وقتَها ستقف قواتُ الأمن حاجزاً منيعاً لحمايتكم من غضبهمquot;.
السطور الآنفة التي تفور غيرة وحرقة هي لأستاذنا محمد الشيباني من مقالة نشرها قبل يوم أمس السبت في صحيفة (البلاد)، تلخص الفجيعة التي سربلت جموع المثقفين وشرائح المجتمع مما يحدث في راهن الآن في مدينة القطيف، وقد بوغتوا بتصرّف أحمق وطائش، ينمّ عن انسلاخ كامل للوطنية والولاء من تلك الطغمة الصغيرة من الشباب الذي باع ولاءه للأجنبي، وبالتأكيد أنها شريحة لا تمثل أبداً ضمير الأكثرية في القطيف، الذين لا نشكّ أبداً في ولائهم لولاة أمرنا ووطننا. وإن تأسّف زميلنا الشيباني وذهوله بسبب ما رآه في ذلك المقطع المأفون، فالعارفون والمتخصصون في القضية؛ لم يتفاجؤوا أبداً بما رأوه وسمعوه، بل ظلّوا يعلّقون بأنّ ذلك هو رأس جبل الجليد الطافي فقط، وقد علموا أن فئة الشباب تلك قد التاثت بفكر متطرّف، وسلّموا أنفسهم لتجّار الفكر والسياسة، الذين يلعبون بهم كدمى يحرّكونها من الخارج، وهم ينفّذون أجندتهم بكل سذاجة وغباء..
رغم كل ثقتنا بجنود نايف بن عبدالعزيز ورجال الأمن في بلادنا، ونعرف ndash; يقيناً - أنهم سيستأصلون هذه الفئة المتطرفة التي أسلمت أرواحها للملالي في الخارج بإذن الله، وقد تعامل هؤلاء البواسل من جنود الأمن مع أشدّ من هذه الطغمة الصغيرة قوّة وفتكاً، وفكّكوا ndash; بتكتيك عالٍ أذهل العالم - قواعدهم، إلا أنه في المقابل، ثمّة أكلاف سندفعها كمجتمع ودولة إزاء هذا التطرّف الجديد، وسنأخذ ndash; برأيي - وقتاً طويلاً في عملية تأهيل وحماية فكرية لبقية أبنائنا في القطيف الذين لم يلتاثوا بعْدُ بهذا الفكر المتطرف، وقد ناديت في مقالات عديدة، ووقت خمود الفتنة بأن اهتبلوا هذه الفرصة، وناقشوا المسألة بما يحقّق لمجتمعنا تماسك نسيجه الداخلي، ورمّزوا المشايخ المعتدلين في وجدان شبابهم، فلا أقدر على مجابهة الفكر سوى فكر موازٍ له، ولا يُسقط الشيخ الرمز لدى هذا الشاب إلا رمزٌ من ذات المذهب، وطالبت مركز الحوار الوطني بالتصدّي لهذه المهمة، غير أن صوتي ndash; وغيري - ذهب أدراج الرياح.
في الفترة الراهنة لا يهمّني كثيراً أولئك الشباب الذين جابوا شوارع القطيف، وهتفوا بذلك العَته الذي أخرجوه بكل وضاعة، وقاموا بإضرام النيران في الطرقات بطريقة قطّاع الطرق والعصابات، وعاثوا وأفسدوا، لأني ـ كما أسلفت ـ على ثقة بأنّ رجال أمننا ـ والمجتمع كله خلفهم ـ سيتصدّون لهم بلا هوادة، وسيكون الحزم والقوة والردع سبيلنا معهم، إذ إنّ أمن الوطن خطّ أحمر لا يمكن التهاون فيه، ما يهمّني أكثر في هذه المرحلة هم فئة الشباب المعتدلين، فالخوف كل الخوف من أن تتسرّب إليهم ذات الأفكار المتطرفة، في ظل تأليب إعلامي إيراني دؤوب، وعليه من الضروري إيجاد برامج احتواء ووقاية لهم، فهم شباب يحبّون قادتهم ووطنهم، ولم يلتاثوا بعْدُ بالفكر المتطرّف، ومن الضروري جداً المبادرة بفورية لا تقبل التردّد ولا التأجيل لتحصين هؤلاء فكرياً واجتماعياً، لأنّ هذه الأفكار المتطرفة مثل النار، تنتشر سريعاً، وتستولي على الشاب الذي تغلبه العاطفة على عقله، فلا يميّز وهو في مرحلة عمرية تبحث عن البطولات والخوارق وتبديل العالم وترميز النفس، فلا يبالي أبداً وهو يقتحم ويفجّر من أجل الفكر الذي غُذّي به، وعليه من الضروري وضع برامج من أعلى المستويات لاحتواء هؤلاء الشباب، وثمة مراكز علمية باشرت وزارة الداخلية بإنشائها أو الإشراف عليها، ومنها كرسي الأمير نايف للأمن الفكري، وقد قطعنا شوطاً كبيراً في مجال التحصين الفكري، من الضروري استعادته، وإعادة بلورته بما يتناسب وإسقاطه على الواقع الفكري والاجتماعي لهؤلاء.
مما يساعد أنّ كثيراً من المشايخ في القطيف وأولياء أمور هؤلاء الشباب ضدّ ما يفعله أبناؤهم، وسيساعدون في تبصير أبنائهم بعواقب ما يقترفونه من خيانة وطنية كبرى، ستنعكس سلباً على الوطن بكامله، فضلا عن أن قياداتهم المعتدلة بدأت تتحرك، وقد شعرت بالخطر الحقيقي، وأصدر مجموعة من كبار المشايخ هناك، وهم الشيخ عبدالله الخنيزي والشيخ حسن الصفار والشيخ عبدالكريم الحبيل والسيد منير الخباز والشيخ منصور الجشي، بياناً ندّدوا فيه بصراحة باستخدام العنف من قبل هؤلاء الشباب، وأنّ دم المسلم ذو حرمة كبيرة، والمطالبات بالحقوق إنما تكون بالطرق السلمية والحضارية، وهي خطوة تستحق الشكر بيد أنها لا تكفي أبداً، والوطن يعوّل على مشايخ الاعتدال في احتواء هؤلاء الشباب، وأمامهم شوطٌ طويل، ينبغي علينا كدولة ومجتمع مؤازرتهم ودعمهم، لأننا سندفع جميعا الأكلاف الباهظة إن توانينا في العلاج الذي سيستغرق وقتاً طويلاً، طالما كانت الحية الرقطاء الفارسية وحكامها المتطرفون موجودين، ويقومون بهذا الدور القذر في تغذية هؤلاء الشباب بالأفكار المتمردة، وخيانة الوطن وولاة الأمر.
يجب أن نكون صرحاء ونناقش هذه القضية بكل صراحة وشفافية، ونقوم بالفرز الصحيح، وليضجّ من يضجّ عندما نقول بأن هناك من باع ولاءه للأجنبي، فالصراحة أدعى للعلاج الصحيح.