خيرالله خيرالله

لم يعد أمام الفلسطينيين من خيار غير المصالحة الوطنية. الجميع في حاجة إلى المصالحة نظرا إلى أن الجميع في مأزق. تحوّلت المصالحة إلى أفضل تعبير عن المأزق ومدى عمقه. رئيس السلطة الوطنية السيد محمود عبّاس (ابو مازن) يعاني من انسداد لكل الآفاق السياسية. لم تعد المفاوضات خيارا نظرا إلى أن كلّ ما تريده حكومة بنيامين نتانياهو هو التفاوض من أجل التفاوض. بالنسبة إلى بيبي نتانياهو، تحوّلت المفاوضات هدفا بحد ذاته من أجل تمرير الوقت ليس إلاّ وخلق واقع جديد على الأرض.
ذهب laquo;ابو مازنraquo; إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة من أجل كسر الحلقة المفرغة التي تدور فيها السياسة الفلسطينية. ألقى خطابا مهما أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة. صفق له كثيرون، لكنّه اكتشف في الوقت ذاته أن مجلس الأمن ومعه الأمم المتحدة طريق مسدود آخر وأن الإدارة الأميركية لا تريد السماح بعضوية دولة فلسطين، في حدود 1967، في المنظمة الدولية. كذلك اكتشف أن الانقسام الفلسطيني كان من بين الأسباب التي ساعدت إدارة أوباما في الحؤول حتى دون تصويت في المجلس على طرح عضوية فلسطين في الجمعية العامة للأمم المتحدة في وقت لاحق. لم تكن الولايات المتحدة مضطرة حتى إلى استخدام الفيتو في مجلس الأمن لإفشال الطلب الفلسطيني. ربّما اكتشف laquo;ابو مازنraquo; اخيرا أن حلّ السلطة الوطنية ليس خيارا أو وسيلة ضغط على الإدارة الأميركية وإسرائيل.
بالنسبة إلى حركة laquo;حماسraquo;، لم يعد هناك من خيار سوى المصالحة، أقلّه من أجل متابعة عملية الهروب إلى أمام. استندت laquo;حماسraquo; في حملتها على السلطة الوطنية إلى أن لا فائدة من المفاوضات مع إسرائيل، وأن البديل من المفاوضات هو laquo;المقاومةraquo;. تبيّن لـlaquo;حماسraquo; أن laquo;المقاومةraquo; ليست حلا وأن الصواريخ التي كانت تطلقها من قطاع غزة في اتجاه إسرائيل خيار مكلف. صار عليها العمل من أجل منع إطلاق الصواريخ التي كانت في الأمس القريب كفيلة بتحرير فلسطين من البحر إلى النهر ومن النهر إلى البحر، لا فارق، من منطلق أنها laquo;وقف إسلاميraquo;. بقدرة قادر أصبح إطلاق الصواريخ laquo;خيانة وطنيةraquo;!
زاد من مأزق laquo;حماسraquo; الوضع السوري. لم تستطع الحركة الانحياز إلى نظام يستخدمها ويوفر لها مأوى بعدما اصطدم هذا النظام بشعبه وبـ laquo;الإخوان المسلمينraquo; الذين تعتبر الحركة نفسها جزءا لا يتجزّأ منهم.
لم تعد المفاوضات خيارا. ولم تعد laquo;المقاومةraquo; ممكنة. التقت السلطة الوطنية وlaquo;حماسraquo; عند ضرورة الاستعانة بالمصالحة. ولكن مثلما لا يوجد شيء اسمه مفاوضات من أجل المفاوضات، لا وجود لشيء اسمه مصالحة من أجل المصالحة. لا بدّ من تحديد هدف واضح للمصالحة. وهذا يعني في طبيعة الحال توظيفها في مشروع سياسي يخدم القضية الوطنية المسماة القضية الفلسطينية التي هي قضية شعب موجود على الخريطة السياسية للشرق الأوسط. كلّ ما يطالب به هذا الشعب المظلوم ممارسة حقوقه الوطنية على أرضه مثله مثل أيّ شعب آخر من شعوب المنطقة. كلّ ما يريده هذا الشعب تأكيد أنه ضحية إرهاب الدولة الذي تمارسه إسرائيل عبر تمسّكها بالاحتلال!
مثل هذا الطرح يقود حتما إلى الاعتراف بأنّ المشروع السياسي الوحيد الذي لا يزال حيّا يرزق هو البرنامج السياسي لـ laquo;منظمة التحرير الفلسطينيةraquo; الذي يحظى، إلى إشعار آخر، بتأييد المجتمع الدولي ودعمه باستثناء إسرائيل والولايات المتحدة. هذا البرنامج قائم على خيار الدولتين الذي يتبيّن يوميا أن إسرائيل ترفضه نظرا إلى رغبتها في تكريس احتلالها للجزء الأكبر من الضفة الغربية بما في ذلك القدس الشرقية. المؤسف أن laquo;حماسraquo; تشارك إسرائيل في رفض هذا المشروع، علما أن ليس لديها بديل منه باستثناء العمل من أجل تغيير طبيعة المجتمع الفلسطيني بدل السعي إلى التخلص من الاحتلال!
تبدو الحاجة اليوم قبل غد إلى ما هو أبعد من المصالحة. تبدو الحاجة إلى تفكير جدّي في كيفية الخروج من المأزق الذي تعاني منه السلطة الوطنية وlaquo;حماسraquo; في آن. الكلام الجميل ليس كافيا، كذلك الحديث عن laquo;مقاومة شعبيةraquo; أو laquo;مدنيةraquo; بديلا من laquo;المقاومة المسلحةraquo;. laquo;المقاومة الشعبيةraquo; أو laquo;المدنيةraquo; الحقيقية في حاجة إلى إنهاء عملي للانقسام بين الضفة الغربية وقطاع غزة. ليس صحيحا أن الفلسطينيين laquo;اخوةraquo; وأن ما مضى قد مضى. الواقع أن هناك فلسطينيين قتلوا فلسطينيين لمجرد أنهم ينتمون إلى laquo;فتحraquo;. هناك جرائم حقيقية ارتكبت بدم بارد ذهب ضحيتها أبرياء. هذا حصل منتصف العام 2007 وفي مراحل لاحقة وسابقة مهّدت لسيطرة laquo;حماسraquo; بالقوة على غزة بدعم واضح من النظام في إيران. هل تضع المصالحة حدّا لحال الانقسام القائمة بين الضفة والقطاع، هل يصبح في استطاعة أي فلسطيني دخول غزة والخروج منها من دون مضايقات من أي نوع كان، هل تنهي المصالحة laquo;الإمارة الإسلاميةraquo; الطالبانية، نسبة إلى laquo;طالبانraquo; التي أقامتها الحركة في غزة؟
ما قد يكون أهمّ من ذلك كلّه، هل في استطاعة laquo;حماسraquo; قبول البرنامج السياسي لـ laquo;منظمة التحرير الفلسطينيةraquo; والعمل على بناء مؤسسات الدولة الفلسطينية التي قد ترى النور يوما بغض النظر عن العراقيل التي تضعها إسرائيل في وجه المشروع الوطني الفلسطيني؟
في غياب القدرة على الإجابة عن مثل هذا النوع من الأسئلة، لن تكون المصالحة الفلسطينية سوى اتفاق ضمني بين السلطة الوطنية وlaquo;حماسraquo; لا هدف منه سوى التغطية على المأزق الذي يعاني منه الطرفان. في النهاية، هل يكفي الهرب من المأزق للخروج منه؟