عبد الملك بن أحمد آل الشيخ


يمر الخليج العربي بتحولات كبيرة واكبتها ثورة في التواصل بشتى أنواعه، عبر الإعلام الجديد، خاصة ما تتيحه الشبكات الاجتماعية من كسر لكل أنواع الحدود والحواجز، وإرباك للرقيب الذي يقف حائرا وعاجزا عن فعل أي شيء تجاه النشاط الإلكتروني المتجدد على مدار الساعة، ليتحول في وقت قياسي إلى سيل جارف، حاملا معه الغث والسمين، ولا يفرز الصحيح عن الزائف، فضلا عن تمييزه الأخلاقي من غيره.

ولا يخلو ذلك النشاط المتشعب والمعقد، بطبيعة الحال، من استغلال آيديولوجي ممنهج يسوق لقيم ثقافية وسياسية محددة، ويحاول الزج بالنشطاء، والشباب منهم على وجه الخصوص، في منظومة، أو سياق سياسي ثقافي، يؤدي إلى نتيجة محددة سلفا. وهذا، بلا شك، يزيد العبء على المثقف السياسي الوطني، ويحمله مسؤولية الفرز والتمحيص، والنقد والتقويم. ومحاولة توظيف الفكر السياسي المنضبط، لتكوين جو سياسي ثقافي صحي ونقي، يحقق النتائج القصوى من وسائل وأدوات الإعلام الجديد، ويفعل دورها في إحداث التغيير والتطوير المتعقل والأمن، وحمايتها في الوقت نفسه، من أن تستخدم كوسيلة صراع، ومعول هدم لأواصر مجتمعاتنا وشعوبنا الملتحمة بقياداتها، وأداة تصنيف مقيت، يفسد ولا يصلح، ويفرق ولا يجمع.

والمتأمل في بعض الطرح الثقافي السياسي الخليجي في الإعلام الجديد، يجد أنه بفضل تخليه عن القيود، وعدم خضوعه لسياسة نشر، أو ميثاق شرف، قد أصبح خطابا حديا، يمتاز بالأحكام المطلقة، وتغلب عليه المجازفة الفكرية والشخصنة السياسية المسرفة، ذات المنطلقات العاطفية غير المبررة منهجيا، كالحب والكره والرضا والسخط، في ثنائيات حادة، غير موجودة بالضرورة إلا في ذهنية من يشعلها، ولا يجد كلفة أو صعوبة في بثها وترويجها.

إن هذا النوع من الخطاب بحديته التي أشرنا إليها، يتنافى مع طبيعة العمل الفكري الحر النزيه، ومع أخلاقيات الحوار والتعايش، مكتفيا باعتماده الكلي على الحشد والاستقطاب، وتسجيل الحضور من أجل الحضور.. إنه بذلك، يسهم في تفتيت الجهود، ويبطئ مسيرة التغيير والإصلاح المثمر في خليجنا. وينحصر الجهد في إثبات صحة مقولات معينة، يعتقد صاحبها أنها صحيحة بإطلاق، ويكرس جهوده في زيادة مصداقيتها في الواقع الاجتماعي والسياسي، ونشرها على أوسع نطاق، بهدف إلحاق الهزيمة السياسية بالطرف الآخر. كل فريق يتعامل مع المجتمع بمبضع الجراح، فيبتر ما ليس متسقا مع إطاره الفكري، ويضخم ما يرى فيه تصديقا لمقولات نظرية يؤمن بها ويتبناها.

وهكذا يريد لنا البعض أن نسير في حلقة مفرغة من الصراع السياسي والاجتماعي الحدي المعيق للتغيير. فنحن أحوج ما نكون إلى نسق فكري جديد، يقوم على النسبية في النظر إلى مفهوم التغيير الاجتماعي والسياسي، بعيدا عن النظرة الحدية المطلقة، مستغلين هذه الثورة الإعلامية في تعزيز وتكريس هذا النسق الفكري الجديد. وحين نصل إلى هذه المرحلة سنقطع الطريق ولو نسبيا على من يستغل هذا الإعلام لإعادة صياغة أفكار شبابنا وإقحامهم في صراعات فكرية وسياسية تتقاطع مع أجنداتهم الخفية والمشبوهة تجاه بلداننا. عندها سنطمئن نحن الخليجيين على مسيرة التغيير العقلاني المتدرج المنبثق من بيئتنا وقيمنا.