جميل الذيابي


آمل ألا يخرج علينا مسؤول خليجي على هامش قمة دول مجلس التعاون الخليجي المنعقدة في العاصمة السعودية (الرياض) اليوم، ويقول لنا إن القمة تنعقد في ظروف استثنائية بالغة الأهمية، أو إنها تنعقد في لحظة تاريخية نظراً لظروف المنطقة، لأن المواطن الخليجي منذ أن عرف هذه القمم وهو يسمع هذه الجملة ذات laquo;العزف المنفردraquo; في القمم الخليجية بشكل سنوي، إذ لا يتورع المسؤولون كل عام عن وصف كل قمة بـ laquo;الاستثنائيةraquo; و laquo;التاريخيةraquo;. ويتناسون أن المواطن الخليجي يعرف أن مثل هذه القمم laquo;مُجَدْوَلَة مسبقاًraquo;، وتنعقد في تواريخ متفق عليها بعد انتهاء كل قمة.

لقد ملَّ المواطن الخليجي هذه laquo;الأسطوانة المكررةraquo;، ويريد أن يسمع قرارات تليق بتاريخ دول المجلس وجغرافيتها وعلاقات شعوبها، بما يحافظ على المكتسبات والمكانة السياسية والاقتصادية والاستراتيجية لهذه البلدان المثخنة أراضيها بالنفط والغاز.

على رغم مرور أكثر من ثلاثة عقود على تأسيس المجلس، لم يمنح المواطن الخليجي في بلاده حق المشاركة الشعبية الكاملة، على رغم أنه أصبح على قدر من الوعي السياسي، ولديه معرفة بحجم التحديات والمخاطر التي تحيط ببلدانه، سواء من الطامعين أو الحاقدين أو الباحثين عن مصالحهم.

لا يريد المواطن الخليجي أن يبقى وجوده هامشياً بمسوغات تزايد التحديات، بل من المفترض أن تساهم تلك التحديات في اتخاذ قرارات رسمية تدفع المواطن الخليجي إلى المشاركة الفعلية إلى جانب حكومته نحو تجاوز التحديات وفق آليات ديموقراطية واضحة تحصّن الداخل، وتمنح الحقوق laquo;غير منقوصةraquo;، وتلجم المزايدات الخارجية.

تنعقد قمة مجلس التعاون الخليجي laquo;مجدولة سابقاًraquo; قبيل نهاية العام العربي الاستثنائي 2011 بـ10 أيام، وهو العام الذي شهد منذ أيامه الأولى ثورات عربية شعبية سلمية laquo;غير مسبوقةraquo;، تطالب بالحرية والكرامة والعدالة والديموقراطية.

تنعقد القمة الخليجية في أواخر العام الذي شهد سقوط رؤساء جمهوريات عربية، وعاماً شهد انفصال السودان إلى laquo;شمال وجنوبraquo; بسبب سياسات نظام عمر البشير.

كان لدول مجلس التعاون دور كبير في تحريك الثورة الليبية دولياً، ودعم الخزانة المصرية بعد سقوط نظام مبارك، وجهد ملموس في المسألة اليمنية حتى خرج علي صالح من الحكم وفق مبادرة خليجية.

كما كانت دول الخليج صاحبة الأسبقية في إدانة النظام السوري لاستخدامه laquo;القوة المفرطةraquo; ضد المتظاهرين، إضافة إلى مساندة الجهود الدولية في عدد من الملفات الساخنة.

يدرك قادة دول مجلس التعاون أن بلدانهم أمام تحديات حقيقية، لكنهم لن يتمكنوا من تجاوزها إلا بتحقيق إنجازات داخلية تبدأ من منح الشعوب حقوقها وتحقيق طموحاتها. لأن تأجيل ملفات الداخل laquo;الملحّةraquo; سيكون بمثابة زرع laquo;قنابلraquo; قابلة للانفجار في أي لحظة.

الأكيد أن في القمة الخليجية، ستحضر ملفات laquo;الربيع العربيraquo;، والعلاقة مع الجارة إيران، والأوضاع المأسوية في سورية، وقضايا الأمن الإقليمي، إضافة إلى نتيجة المحادثات بشأن انضمام الأردن والمغرب، وربما دعوة مصر للانضمام إلى دول المجلس، وهو ما يشهد تراجعاً لملف ما يسمى بالحرب على الإرهاب، الذي ظلّ في أولوية ملفات التعاون على مدار السنوات الماضية منذ 11 أيلول (سبتمبر) 2001.

قبيل القمة، حدثت لقاءات يمكن وصفها بـ laquo;المهمةraquo;، أولها الاجتماع الأمنيndash;الاستخباراتي في الرياض بين ولي العهد السعودي الأمير نايف بن عبدالعزيز ووزير الاستخبارات الإيراني حيدر مصلحي، ثانيها انسحاب القوات الأميركية من الجارة العراق بعد 9 سنوات من إسقاط نظام صدام حسين. ثالثها القضايا الأمنية والاتهامات المتبادلة والتقاذف الإعلامي بين إيران ودول المجلس، خصوصاً في الموضوع البحريني.

الأكيد أن حضور الملفات السياسية الكبيرة لا يعني أن القمة ستغفل الملفات الاقتصادية والاجتماعية، إضافة إلى مناقشة مواقف وعلاقات العواصم الخليجية في ما بينها، خصوصاً أن هناك ملفات ترحَّل سنوياً، أو يفضّل تأجيلها.

لا يزال التكامل بين دول المجلس بطيئاً في بعض الممرات الخليجية بسبب laquo;البيروقراطيةraquo; و laquo;عتمةraquo; الضوء لدى بعض المسؤولين، إلا أن ذلك لا يعني عدم تحقق مكاسب تستحق الذكر، كوجود قوة laquo;درع الجزيرةraquo;، والتعرفة الجمركية الموحّدة، وتوقيع اتفاقات دخول مواطني دول المجلس ببطاقة الهوية، إضافة إلى الاتفاق الاقتصادي الموحّد، والعمل نحو تفعيل laquo;المواطنة الموحّدةraquo;.

أعتقد أن على الساسة وصناع القرار عدم تسويق وصف التاريخية والاستثنائية للقمم الخليجية، فالمطلوب هو تكامل الجهود من خلال فتح المجال للمشاركة الشعبية، ومنح المواطن الأولوية قبل كل شيء. علماً بأن التحديات لن تزول، وستظل تطل برأسها طالما هناك حياة قائمة، لأن الحياة فواصل من التحديات.