محمد نور الدين

لا تغير الرسالة التي أرسلها قبل أيام وزير الخارجية الإيراني علي أكبر صالحي إلى نظيره التركي أحمد داود أوغلو من الواقع الجديد شيئاً .

الرسالة امتلأت بتعابير الرغبة في التعاون والتأكيد على أن البلدين ليسا في تنافس بل في تعاون . البلدان في الواقع هما في تنافس وفي تعاون، ولا يمكن أن يتخليا عن هذه المعادلة مهما اختلفت الأنظمة في كل منهما من أيام الشاه إلى الثورة الإسلامية في إيران، ومن أيام العلمانيين المتشددين إلى أيام ldquo;الإسلاميين المعتدلينrdquo; في تركيا .

دائماً كانت العلاقات بين تركيا وإيران على حد السيف، لكنها لم تصل يوماً إلى حد الحرب والصدام العسكري .

إنها العلاقات الأقدم في المنطقة منذ اتفاقية قصر شيرين في العام 1638 التي رسمت الحدود الأقدم بين كيانين لا يزالان مستمرين، وإن بحدود متغيرة في المنطقة . وغالباً ما صمد البلدان أمام دعوات التحريض، الخارجية عادة، ليدخلا في مواجهات إن حصلت لا تبقي ولا تذر .

ولقد صمدت تركيا في مواجهة الضغوط الأمريكية لتنضم الى العقوبات الاقتصادية على إيران بسبب البرنامج النووي الإيراني . بل دائماً ما كانت تذكّر الأمريكيين بأن العلاقات بين إيران وتركيا قديمة والحدود بينهما ثابتة من قبل أن توجد الولايات المتحدة نفسها . تحكم جدلية التنافس/ التعاون العلاقات بين إيران وتركيا، فقد تعاون البلدان في البرنامج النووي لطهران، إذ رفضت أنقرة أية عقوبات اقتصادية على إيران، كما رفضت الدعوات لتوجيه ضربة عسكرية إلى المنشآت الإيرانية ودعت إلى حل سلمي للمشكلة النووية الإيرانية .

وقابلت طهران الموقف التركي بالمثل . وافقت إيران هذه على أن تكون الأراضي التركية هي المكان لتبادل اليورانيوم المخصب، وليس مثلاً أراضي حلفاء إيران مثل روسيا والصين . وساعدت طهران تركيا بذلك على التوصل إلى إعلان طهران الذي تم بالمشاركة مع البرازيل، وهو الاتفاق الذي أعطى الدور التركي نجاحاً كبيراً جداً أبرز صورة تركيا كقوة إقليمية مهمة قادرة على إنجاز ما يعجز الغرب عن إنجازه .

المعادلة واضحة: ليس من مصلحة أي طرف، لا تركيا ولا إيران، أن يتواجها ويتصادما بل أن يتعاونا، حيث أمكن ذلك، وأن يتصادما لكن بالوكالة، أي في ساحات ثالثة .

الطرفان يدركان أن أي صدام مباشر بينهما لا يعني كارثة محتملة، بل كارثة مؤكدة تغرق المنطقة كلها في حمامات من الدماء والتفكك وتعيد المنطقة قروناً إلى الوراء .

يسعى كل طرف إلى هزيمة الخصم بالنقاط أو بالتدريج، وليس في لعبة ldquo;صولدrdquo; . هزيمة الآخر بالضربة القاضية ستكون قاضية للطرفين لا لطرف واحد فقط .

نصب الدرع الصاروخية في تركيا لمواجهة الصواريخ الإيرانية والروسية كان لعبة بالنقاط، لكنها كانت قريبة من نقطة ldquo;الصولدrdquo; . نصب الدرع الصاروخية في تركيا لمصلحة حلف شمال الأطلسي ليس حدثاً عابراً، بل تحوّل مهم في السياسة الخارجية التركية . خطوة أنقرة هذه أقرب إلى المقامرة منها حتى إلى المجازفة التي يحلو لداود أوغلو أن يقول إنها، المجازفة، قد تكون ضرورية أحياناً في السياسة الخارجية .

المقامرة هذه لا يمكن أن تطمئن إيران وتضعها في إطار لعبة التعاون/التنافس . هي خطوة تخرق نسبياً هذه المعادلة . لذا كان الرد الإيراني في السياق والنبرة والوتيرة نفسها، وهو أن أي عدوان غربي على إيران سيكون الرد عليه أول شيء في تركيا نفسها، أي ضرب قواعد الرادارات التابعة لنظام الدرع الصاروخية .

المسؤولون العسكريون والأمنيون الإيرانيون كرروا تهديداتهم أكثر من مرة وعلى فترات متفاوتة . وكانت النبرة عالية، متهمين تركيا أيضاً بأنها تلعب بالدرع الصاروخية دور الحامي لrdquo;إسرائيلrdquo; .

وفي الإطار كان الموقف من سوريا . إيران ترى أن محاولة أنقرة إسقاط النظام في سوريا هي لعب بالخطوط الحمر التي تحكم التوازنات الإقليمية . لذا كانت الرسائل الإيرانية لتركيا ldquo;حاسمةrdquo;، بأن أي محاولة لإسقاط النظام في سوريا تعني أن تركيا ستكون هدفاً أول للصواريخ الإيرانية، على اعتبار أن تركيا تشكل الآن رأس الحربة في محاولات إسقاط النظام السوري الحليف الأساسي لإيران في المنطقة .

هي المرة الأولى التي ترتفع فيها نبرة التهديدات المتبادلة بين تركيا وإيران إلى هذا المستوى . ومع ذلك سوف يدرك كل طرف أن مسّ أي منهما بالمصالح الاستراتيجية للآخر هو ldquo;خط أحمرrdquo;، ويخلّ بالمعادلة الثابتة في علاقاتهما الثنائية والإقليمية . لذا ليس أمام البلدين سوى أن ينتقلا من مرحلة التهديدات إلى مرحلة التعاون الذي لا غنى عنه لاستقرارهما واستقرار المنطقة .