محمد شريف الجيوسي

أخال البعض يقول ما بال صاحبنا ما عاد يكتب منذ بعض وقت إلا عن سورية، أليس في المنطقة العربية والإسلامية ما يستحق الكتابة غيرها أيضاً؟.

أقول إن الكتابة حول وعن سورية وما يدبر ضدها لم يعد شيئاً سورياً فحسب، ففضلاً عن واجب الوفاء لها باعتبارها قلب بلاد الشام التي لم ترد عربياً يوماً وكانت والعراق البلدين العربيين الوحيدين مفتحتي الأبواب والنوافذ لكل عربي سواء كان طالب علم أو راغباً في عمل أو لجوء أو سياحة أو عبور.. والتي اجتزأت من رفاه شعبها لنصرة المقاومات الفلسطينية واللبنانية والعراقية، واستقبلت فقراء الفلسطينيين واللبنانيين والعراقيين غالباً دون أثريائهم.

وأكتب عن سورية الوطن والشعب والنظام والمقدرات.. مدافعاً، لأن من يطالبونها بالديمقراطية المزعومة، متخلفون عنها، فأن تنتقد الصهيونية بشكل موثق وعلمي تصبح لاسامياً وتسجن، وأن تمس النظام الإمبريالي الرأسمالي المتغول على شعوبهم والأمم الأخرى تسحل في الشوارع وهو ما شهدناه على شاشات فضائياتهم مؤخراً، حتى النساء نكل بهن فيما لم يكن مسلحات ولا ممولات ولا مدربات جيداً على حد تعبير هيلاري عن الإرهابيين الذين تدفع بهم وعثامنة آخر الزمان وآخرين ممن باعوا دماء آبائهم.

فمن يريد الديمقراطية لا ينزلق أبداً مهما كانت الذرائع إلى مهاوي الغرب؛ ولا يتعاون مع من جاء بالكيان الصهيوني ولا مع من قسم البلاد والعباد وفرض سايكس بيكو ويريد فرض فتن جديدة وصيغ حكم وحكام جدد يقبلون بمشاريع الغرب ويقتتلون مع أعداء وهميين محليين وإقليميين فيما يدعون الصهاينة ينعمون بالأمن والاستقرار.

نعم نحن مع سورية بقضها وقضيضها، سورية التي ترفض سلماً ذميماً مع الصهاينة، والتي أعادت النظر بعقيدتها العسكرية منذ عام 2006 وشكلت فصيلاً وطنياً لتحرير الجولان، وتحتضن أكثر مقاومات عربية، وترفض التعامل مع مؤسسات رأس المال العالمي حرصاً على قرارها السياسي المستقل، وتتمتع بأمن غذائي ودوائي عال وتقدر على العيش رغم الحصار، وسبق لها أن فرضت على نفسها تقشفا ولم تجد احداً عوناً.

قبل أيام كنت في سورية (بين 18 و22 كانون الاول 2011) سهرت في صحنايا (بريف دمشق) حيث يقيم صديق عتيق، وغادرتها في حافلة صغيرة مع ركاب آخرين بعد منتصف الليل، أنزلتنا عند نهر عيشة جنوب العاصمة، ومن هناك (مع الواحدة صباحا) ذهبت مشياً على الأقدام إلى باب سريجة حيث أنزل عند صديق، كان الهواء ناعماً رقيقاً والناس بين راجل وراكب وكل شيء أكثر من عادي. وخلال أيام إقامتي تجولت كثيراً، ماشياً وراكبا والتقيت سائقي سيارات وإعلاميين وسياسيين، وأكثر ما لفت انتباهي (وهو ما لم يختلف عن الفترة التي عشت فيها في سورية بين آب 1966 وشباط 1990) ذاك الوعي الراقي لمسؤولياتهم فالوطن الوطن فوق كل اعتبار وحرصهم شديد على أن تبقى سورية آمنة مستقرة متلاحمة لا مكان فيها لداعية فتنة من أي نوع، وهم مع كل استهداف يصبحون أكثر تمسكاً بالنظام وبالوطن وحرصاً على الثوابت التي ضمنت لهم إيجابيات هي بين أيديهم.

هم يدركون أن من يروج للتدخل الخارجي أو يدعو أو ينظر له أو يحث على ممارسة الدم والإرهاب في الداخل، ضد أي هدف سوري وتحت أي مبرر، ليس سورياً ولا عربياً ولا مسلماً، فأي تغيير غير سلمي هو عودة بسورية عقوداً للخلف وتدمير لكل ما حققه السوريون من إنجازات بالعرق والكد والصبر والدأب والحكمة. ولا يود السوريون مقايضة الثغرات بما هو أدنى، تعصباً وتمييزاً مذهبياً وطائفياً في مجتمع لا يعاني من أية إشكالية حقيقية، وتنازلاً عن دور إقليمي عروبي قومي محترم، أو تصالحات غير مشرفة مع اعداء الأمس واليوم والغد.

ومن هنا، فليس صدفة فشل كل السيناريوهات التي دبرت بليل ونهار على مدى أكثر من 9 أشهر، وثبت أنها مجرد حمل كاذب.