غسان الإمام

الإخراج سوري. الإنتاج والتنفيذ لـlaquo;حزب اللهraquo; الإيراني.

المطلوب طربوش سنّي. اعتذر عمر كرامي. فقد كان الدور غير مناسب لرجل اغتيل شقيقه (رشيد) في ظروف مماثلة لاغتيال رفيق الحريري.

كان البديل جاهزا: سني. ديمقراطي من هارفارد، كي لا تعترض أميركا عليه. نجيب ميقاتي ليس بطربوش. لكن الإغراء كبير. تَمَّ تخجيله بدعم ترشيحه. المطلوب منه أن يترأس حكومة laquo;الانقلابraquo; الدستوري الذي أطاح بحكومة سعد الحريري، وبأكثريته النيابية.

للحكومة الميقاتية مهمة واحدة: إرضاء laquo;حزب اللهraquo; باستقالة لبنان من محكمة الحريري الدولية. يا للتوقيت الميقاتي غير المناسب! فقد كان حكومته الأولى هي التي أمرت باتخاذ الإجراءات القضائية الأولى لملاحقة قتلة الحريري. المطلوب اليوم أن تبصم حكومته الجديدة إجراءات تعطيل العدالة الدولية. إجراءات هي بمثابة الاغتيال الثاني للراحل الحريري.

في سورية ولبنان، مثل شعبي يقول: laquo;ذهبت السكرة وجاءت الفكرةraquo;. زار ميقاتي دمشق. جدّد قديم الهوى مع الجارة. قبل بالدور. ثم قرأ السيناريو. فأصيب بالتردد! المخرج والمنتج يستعجلان تطويبه رئيسا للحكومة، قبل 14 شباط (فبراير)، الذكرى السنوية السادسة للاغتيال، وقبل صدور القرار الظني الدولي المرجح أن يتهم رجال laquo;حزب اللهraquo; بتصريف الخصم القديم.

ميقاتي لا يعترض على الانقلاب. فقد كانت الإجراءات الانقلابية دستورية. لكن يستصعب الدور والمهمة. بات يقول: لا انسحاب من المحكمة، إلا بوفاق سياسي (شبه مستحيل) بين أكثرية حزب الله (الانقلابية) والأكثرية الحريرية التي باتت أقلية.

لا شك أن ميقاتي استفاد من هشاشة تماسك الأكثرية الحريرية. واستفاد من المزاجية الشعبية السنية المتقلبة، خصوصا في طرابلس موطن ميقاتي وحليفه البارز محمد الصفدي، حيث تركز الهمس ضد حكومة سعد الحريري، بالزعم بأنها تقدم صراعها من أجل العدالة، على قضايا الحياة اليومية، وفي مقدمتها غلاء الأسعار الفاحش. والبطالة المتحكمة في أمل الأجيال الجديدة.

حرفة ميقاتي جعلته يطرح شعارا laquo;وفاقياraquo; لحكومته. كان رد الحريري: لا عودة للتجربة الحكومية الوفاقية. فقد استغل حزب الله وحلفاؤه امتياز laquo;الثلث المعطلraquo; لإسقاط الحكومة. ولا مشاركة حريرية في الحكومة الميقاتية، إلا إذا تعهد رئيسها، سلفا، بعدم الاستقالة من المحكمة.

laquo;فيتوraquo; الحريري الذي قد يتبعه فيتو حلفائه، سيضطر ميقاتي إلى تحييد حكومته سياسيا، بتشكيل حكومة بيروقراط / تكنوقراط. ستكون على الأرجح مؤقتة. وضعيفة سياسيا. هذه الحكومة من السهل الضغط عليها، لتمرير قرار الانسحاب من المحكمة الدولية، في البرلمان، ببركة ومساعدة نبيه بري حامل أختام القبة البرلمانية.

اضطرت السعودية إلى الانسحاب من الجهد المشترك مع سورية، للوصول إلى تسوية متوازنة في لبنان. فلا يموت الذئب بملاحقة المحكمة الدولية له. ولا يفنى غَنَمُ الأكثرية الحريرية. ولا تتعطل العدالة الدولية، بعدما تثبت استحالة إلغاء شرعيتها ومهمتها، حتى ولو انسحب لبنان منها.

باتت صناعة السينما حرفة سورية بامتياز. لكنها أثارت شكوك السعودية. ففيها كان الإخراج الثنائي المشترك للتسوية جاريا في مساره، كان هناك مسار سوري آخر استهدف سحب نواب وحلفاء من الأكثرية الحريرية المدعومة سعوديا.

ربما وجدت سورية في اختصار الأكثرية الحريرية حائلا يمنع laquo;حزب اللهraquo; من تقويض اللعبة الديمقراطية اللبنانية بقوة السلاح. غير أن استقلالية الدور السوري، في هذا المجال بالذات، من دون استشارة الشريك السعودي، هو الذي حفز القيادة السعودية، إلى الاستقالة من الدور الثنائي. على أية حال، الانسحاب السعودي لم يعطل الدور السوري. بل إلى الآن، لم يُلْغ العلاقة الايجابية مع سورية، وإن طبعها بطابع بالغ الصعوبة في لبنان.

وهكذا، فسورية تعود اليوم إلى لعب دور عربي نافذ ومتفرد في لبنان. المغامرة كبيرة، بحيث تهدد نجاح سورية في الخروج من العزلة التي فُرضت عليها، بعد اتهامها الأولي باغتيال الحريري. هناك خياران أمام أميركا وأوروبا في التعامل مع الظهور السوري المتجدد في لبنان والمنطقة: إدارة أوباما راغبة في الحوار. وإن كانت عاجزة عن فرض انسحاب إسرائيلي من الجولان، يُعفي سورية من مسايرة إيران وحزب الله في لبنان والمنطقة.

أما فرنسا فقد اقترحت لجنة حكماء دولية، كمظلة واقية لاستقلالية لبنان. فَوَّضَتْ تركيا وقطر الاقتراح الفرنسي لصالح الاحتكار السوري المتجدد في لبنان. ولعل قبول أميركا وأوروبا، بدستورية الحكومة الميقاتية، موقوت بقدرة سورية على لجم حليفها حزب الله، عن استكمال هيمنته على النظام اللبناني.

هل هناك علاقة للأحداث اللبنانية بأزمة النظام الجمهوري العربي؟ تبلغ الصلافة بـlaquo;حزب اللهraquo; إلى درجة شَنِّهِ حملة شعواء على النظام العربي في محنته الراهنة. ينسى الحزب، الذي يشبِّه زحفه للهيمنة على النظام اللبناني بالانتفاضة التونسية، أنه هو نفسه امتداد خارجي لنظام إيراني. نظام laquo;قمعraquo; انتفاضة إيرانية شعبية واسعة، بإهراق الدم. بالإعدام. بالاعتقال، للتجديد لراعيه نجاد، وإسباغ معصومية الفقيه على تزييف الانتخابات.

بل يمكن اعتبار انتفاضة الشارع السني اللبناني ضد laquo;نظامraquo; حزب الله الذي يجري فرضه على الديمقراطية اللبنانية، بمثابة جزء لا يتجزأ من انتفاضة الطبقة الشعبية العربية الجديدة الراغبة في حياة أفضل.

إذا كانت هذه الطبقة الشبابية تدخل في مواجهة مع النظام الجمهوري العربي الذي لم يعرف باكرا، مع الأسف، كيف يكتشفها. ويحتضنها كقاعدة شعبية له، فهي أيضا تكشف، لأول مرة منذ رواج تنظيمات الإسلام السياسي، عن رفضها للشعارات الغيبية، وللحلول الجاهزة التي تطرحها هذه التنظيمات.

الطبقة الشعبية الجديدة لا يمكن لها أن تستمر في السباحة في فراغ يؤدي بها إلى الفوضى والعنف. كما بدا في بعض سلوكيات الانتفاضتين التونسية والمصرية. لا بد لها من أن تصوغ خطها. أن تشكل قيادة لها. أن تحتل موقعها المستقل في الحراك الاجتماعي.

لتحقيق ذلك، لا بد من تسييس هذه الطبقة الاجتماعية الشابة (ثلثا المجتمعات العربية دون الثلاثين من العمر)، لبلورة نهج خاص بها. يحفظ لها براءة عذريتها. ويؤكد دورها السلمي في المجتمع. ويمنع محاولات استيعابها واحتوائها، سواء من ليبرالية البرادعي المغتربة، أو من الحركات الغنوشية. والإخوانية التي أثبتت عدم قدرة قياداتها العجوزة عن تكييف منطلقاتها مع العصر، هذا العجز الذي أدى إلى اختفاء اللحى في الشارع الشبابي الملتهب.