داود الشريان


من الأشياء التي سيذكرها التاريخ للرئيس حسني مبارك انه حيّد دور العسكر، وإن شئت، سعى خلال فترة حكمه الى نقل السياسة من غرفة عمليات الجيش، فبات طموح الضباط في عهده ارتداء ربطة العنق. وهو استعان برجال أعمال، ثبت فشلهم، وانفتح على laquo;تكنوقراطraquo;، وحاول إعطاء الوزارات المتعاقبة صورة مدنية. لم تعد سطوة الجيش المصري كما هي الحال خلال فترة الرئيسين جمال عبدالناصر وأنور السادات. صحيح أنه لم يصل في هذا الهدف الى اكثر من نصف الطريق، ولم يتمكن من تحقيق نموذج تركيا، التي نجحت أخيراً في إقصاء الجيش عن الحياة السياسية، لكنه أضعف، إلى حد بعيد، طموحات المؤسسة العسكرية في الحكم.

الجيش اليوم يقف في الشارع مع المتظاهرين. جاءت اليه مصر بمسيرة شعبية. وهو سعى خلال الأيام الماضية الى تكريس صورته الجميلة في عين الشعب. أعاد الهدوء الى الشوارع، وتولى مهمة الأمن العام، وتماهى مع مطالب الشعب، وأعلن أنه لن يستخدم القوة في مواجهة الشباب الغاضب، واستعذب دور الوسيط في انتقال السلطة، وربما تطلع الى ما هو أبعد من ذلك. هل سيستمر الجيش يردد: دعها تسِر... دعها تمر؟

لا شك في ان الرئيس مبارك غيّب دور مؤسسات الدولة، واختصر الحكم في شخصه والحزب. فجعل من مجلس الشعب مجرد صورة، فضلاً عن ان تزييف الانتخابات وهيمنة الحزب الوطني على غالبية مقاعد المجلس، ساعد في انعدام ثقة الناس بالمجلس ودوره. وهو همش دور مؤسسات المجتمع المدني ومؤسسة القضاء. أما أحزاب المعارضة فأصابها وهن النظام، وانشغلت بصرعات داخلية، فضلاً عن ان معظمها لايملك برنامجاً واضحاً في الحكم والإدارة، وبعضها تمسك بخطاب ستينات القرن العشرين، وبات لا يمثل المرحلة وتطلعات البلد وطموح الجيل الجديد من المصريين. في مقابل هذه الصورة نجد ان حركة الشباب الراهنة لا تملك سوى العفوية والغضب، وتسير بلا قيادة محددة، ناهيك عن ان مطالبها جرى صوغها في الشارع، لهذا فهي عرضة للاستغلال، وربما تحولت الى معبر الى فراغ وفوضى سياسية.

الأكيد ان الجيش هو البديل حتى الآن، وهو سيعبث بموقعه وسمعته ان هو تمسك بالحكم، وربما ساهم، في استمرار أزمة مصر، وخلَقَ وضعاً يصعب التكهن بنهايته.