الحسين الزاوي
تعيش ldquo;إسرائيلrdquo; حالة غير مسبوقة من القلق الشديد نتيجة التحولات السياسية والاجتماعية التي تعرفها بعض البلدان العربية، حيث يخشى قادة تل أبيب أن يؤدي هذا التحول السياسي الكبير إلى ولادة خريطة سياسية جديدة في المنطقة تعيد النظر في الكثير من التوازنات الاستراتيجية، فرغم محاولات المسؤولين ldquo;الإسرائيليينrdquo; التزام جانب الحيطة والتحفظ في تصريحاتهم تجاه تطورات الأحداث المتسارعة بالمنطقة، إلا أنهم لم يتمكنوا من إخفاء قلقهم البالغ من الثورة السياسية الشبابية التي تحدث على بعد مسافة قريبة جدا من حدودهم . ذلك أن ما يخيف النظام ldquo;الإسرائيليrdquo; هو أن الثورات العربية الجديدة لم تعد ثورات مسلحة أو ثورات سياسية تقودها نخب عسكرية، بل هي ثورات وانتفاضات شعبية تريد أن تُفرز نظاماً سياسياً قائماً على المشاركة السياسية الواسعة التي تحترم رأي الأغلبية، التي تريد أن تعيد التوازن والهيبة إلى النظام الرسمي العربي الذي تورط خلال العقود القليلة الماضية في مسلسل من التنازلات المجانية لصالح الطرف ldquo;الإسرائيليrdquo;، على حساب المصالح العربية والفلسطينية المشروعة . ومن ثم فإن المشهد السياسي الذي سوف تفرزه هذه الثورات، سيجعل الأنظمة العربية تخضع لمطالب الشعب العربي الذي يرفض التفريط في حقوقه التاريخية المقدسة .
ذلك أن الرضا والود ldquo;الإسرائيليrdquo; والدعم الغربي الذي تحظى به بعض حكومات المنطقة، نابع من القناعة الراسخة لهذه الأطراف بصعوبة الحصول على تنازلات جوهرية من حكومات عربية تستند إلى مشروعية ديمقراطية تفرزها صناديق الاقتراع . فالرأي العام العربي على اختلاف أطيافه السياسية يرفض السياسة الغربية والأمريكية الحالية، القائمة على الهيمنة والابتزاز السياسي خدمة للمصالح الصهيونية في المنطقة، وبالتالي فإن الحكومات الغربية تحاول أن تركب موجات التغيير في العالم العربي، حتى تصل إلى تشكيل تحالفات جديدة مع القوى الصاعدة من أجل حماية مصالحها في المنطقة . وذلك في اللحظة التي تسعى فيها ldquo;إسرائيلrdquo; إلى إجراء تقييم جديد للأحداث، من أجل إعادة بناء استراتيجيتها بما يتناسب مع التحولات المفاجئة التي تشهدها الجغرافيا السياسية المحيطة بها . صحيح أن التطورات الحالية لن تؤدي إلى قلب الأوضاع رأساً على عقب، فهناك توازنات إقليمية دقيقة تسعى أطراف كثيرة من أجل المحافظة عليها . لكن الشيء الذي لا يحتاج إلى تأكيد هو أن المساحة السياسية الهائلة التي انتزعها الرأي العام العربي من خلال نضاله السلمي، ستمنع حكوماته من الانخراط في تسويات تضر بالمصالح العليا للأمة . كما أن ldquo;إسرائيلrdquo; التي تعزف على وتر انصياعها لرأيها العام المتطرف، ستواجه حقيقة جديدة مؤداها أن الطرف العربي أضحى يملك هو الآخر رأياً عاماً مؤثراً ومجتمعاً مدنياً قوياً وقادراً على محاسبة نخبه السياسية في حال إقدامها على تخطي الخطوط الحمر التي يضعها الشارع العربي .
وعليه فإنه من الأهمية بمكان أن نعيد قراءة الوضع العربي الحالي، وفقا لآليات جديدة تسمح للنخب الحاكمة من استخلاص الدروس والعبر من الانتفاضات العربية، التي تريد أن تُحترم آراؤها ومواقفها المبدئية، خاصة وأنها أوصلت رسالة جديدة لا لبس فيها، تؤكد من خلالها أنها لن تُقدم مستقبلاً صكاً على بياض لحكامها من أجل التصرف في حقوقها القومية . كما أن ldquo;إسرائيلrdquo; التي تعلم جيداً رفض الرأي العام العربي القاطع لمشاريعها الاستعمارية والاستيطانية، ستحاول بكافة السبل أن تركب موجات التغيير العربي، من أجل النيل من استقرار البلدان العربية المحورية في منطقة الشرق الأوسط، حتى تحول دون قيام أنظمة عربية ديمقراطية تنعم بالاستقرار السياسي والانسجام الاجتماعي بين مكوناتها . ومن غير المستبعد أن تلجأ ldquo;إسرائيلrdquo;، ومن ورائها الولايات المتحدة الأمريكية، خلال المرحلة المقبلة إلى استثمار بعض التناقضات الداخلية في الدول العربية، من أجل النيل من الوحدة الوطنية لهذه الدول، من خلال المزايدة على حقوق ما تصفه بالأقليات الدينية والعرقية والمذهبية .
ويمكن التأكيد عطفاً على ما سبق، أن رياح الانتفاضة والتغيير التي تشهدها المنطقة العربية برمتها يُفترض فيها أن تدفع مختلف الأطراف إلى إعادة بناء تصوراتها على أسس أكثر عمقاً وصلابة، بعيداً عن الشعارات الظرفية التي يمكن أن تفرزها لحظات الفرح والنشوة العابرة . فقد أثبتت تطورات الأحداث أن كل جزء من مكونات المجتمع العربي يحتاج إلى الإصغاء بشكل جيد لآراء وتطلعات باقي المكونات والأجزاء، فالحكومات في حاجة ماسة لأن تُترجم قراراتها ومواقفها السياسية والاقتصادية نبض رأيها العام، والنخب الثقافية والفكرية المشكلة للمجتمع المدني يجب عليها أن تعيد بناء طموحات الجماهير بشكل متوازن وعقلاني بعيداً عن النخبوية التي تحلق بعيداً عن طموحات وتطلعات المواطنين، كما أن الجماهير مطالبة هي الأخرى بأن تعمل على صياغة أحلامها وطموحاتها من خلال استثمار رصيد نخبها الثقافية والفكرية ومجموع قيمها الحضارية حتى لا تسقط في المزايدات الشعبوية، التي توفر بيئة متشنجة تسمح لrdquo;إسرائيلrdquo; وعملائها باللعب على العواطف الصادقة والبريئة للجماهير العربية، فنحن في حاجة في هذه المرحلة الحساسة أن نقُود التغيير ونستثمر نتائجه الإيجابية لمصلحة تطلعات الأمة العربية، حتى لا نترك لهذا التغيير زمام قيادتنا نحو المجهول الذي تصفه الامبريالية الأمريكية بالفوضى الخلاقة .
التعليقات