مصطفى زين
لم تقتنع إسرائيل بعد، ولا العرب، بأن قواعد اللعبة على الحدود اللبنانية تغيرت. ما زالت الدولة العبرية تعيش في ماضي الإحتلال وما قبله. لعدم اقتناعها أسباب كثيرة، منها عنجهيتها وعنصريتها المبنية على إيمان توراتي بأن اليهود شعب الله المختار. ومنها إيمانها بتفوقها العسكري على العرب، مجتمعين ومتفرقين. إيمان يزيده قوة الدعم غير المحدود الذي تتلقاه من الغرب عموماً، ومن الولايات المتحدة خصوصاً.
فضلاً عن الغرور الإسرائيلي وأسبابه الدينية والتاريخية، ما زالت الدولة العبرية تنظر إلى الشرق الأوسط كله، وإلى محيطها العربي نظرة دونية، مبنية على أن هذا المحيط مجرد قبائل وطوائف متناحرة، يكفي ان تتحالف مع إحداها كي تتحول الأخرى إلى أدوات لحروب أهلية ونزاعات لا تنتهي. ترى نفسها دولة غربية. تشارك في كل النشاطات الأوروبية، من مهرجان الأغنية إلى الرياضة إلى الموسيقى، بناء على هذه الرؤية. تشترك مع الولايات المتحدة في تصنيع الصواريخ والأسلحة. تبيع إلى الصين والهند تكنولوجيا وأسلحة متطورة.
في محيطها، جندت ضباطاً في الجيش اللبناني لخدمتها، إثنان منهم شكلا laquo;جيش لبنان الجنوبيraquo; وشاركاها في حماية احتلالها. أطالت أمد الحرب الأهلية اللبنانية بدعم فريق ضد آخر. شاركها فريق في ارتكاب المجازر. تحالفت مع سياسيين يعتبرون لبنان أيضاً جزءاً من الغرب وهي جسرهم إليه. بدلت نظرة كثيرين من العرب إليها. بعضهم يعتبرها حليفاً في الحرب وفي السلم. أقامت علاقات مع دول. استطاعت أن تقسم الشعب الفلسطيني بين من يتمسك بالمقاومة ومن يسعى إلى السلم بأي ثمن.
كل هذا دفع إسرائيل إلى التمادي في غرورها وغطرستها. وإلى استهجانها إقدام الجيش اللبناني على التصدي لجنودها الذين خرقوا الخط الأزرق، بعدما اعتادت منذ نشوئها على حرية الحركة في الجنوب. وعلى غطاء دولي يؤمنه لها مجلس الأمن ذي الإرادة الأميركية. فوجئت أو فجعت بالرد اللبناني. رد لم تحسب له حساباً، خصوصاً في وجود القوات الدولية التي أتت لحمايتها، على ما أعلنت المستشارة الألمانية أنغيلا مركل أكثر من مرة.
تأخذ إسرائيل كل هذه الإنتصارات في الإعتبار عندما تخطط لحرب أو لمعركة. وهي محقة. لكنها لا تحسب نكساتها. لم تصدق بعد أنها انسحبت من جنوب لبنان العام 2000 تحت ضغط المقاومة. صدقت بعض التنظيرات اليمينية والعربية أن انسحابها كان كرماً أخلاقياً. لم تستوعب بعد أن حرب تموز 2006 شكلت منعطفاً في تاريخ الصراع. لم تستوعب بعد أن الجيش اللبناني غير عقيدته العسكرية لتنسجم مع التوجه الشعبي. ولم تعد مهمته ردع المقاومين والتصدي لهم وزجهم في السجون. أرادت اختباره قبل أن تزوده الولايات المتحدة أسلحة. تأكدت الآن أنه سيستخدمها في أي مواجهة مع جيشها. شكته إلى واشنطن لأنه واجه جنودها بأسلحة أميركية. قواعد اللعبة في الصراع تغيرت إنطلاقاً من أضعف البلدان العربية، وأكثرها هشاشة، في بنيته الإجتماعية والسياسية.
من الآن إلى أن تستوعب الدولة العبرية ذلك، وإلى أن تقتنع بأن عسكرة مجتمعها واعتمادها على الحروب لن يجعل الآخرين يذعنون لإرادتها، سنشهد الكثير من المواجهات، والكثير من الحروب المدمرة.
التعليقات