علي الظفيري

سقط نظام مبارك بالكامل، سقط الرئيس ونائبه المخادع، سقط الحزب الوطني عن بكرة أبيه، وولدت مصر جديدة في ميدان التحرير والميادين الأخرى، مصر تسعى أن تكون امتداداً طبيعياً ومنطقياً لمصر الحقيقية، وليس مصر النظام الذي رهن البلاد وأهلها لمصالحه الضيقة، مصر تشبه نفسها ولا تشبه أحداً آخر، مصر ديمقراطية متنوعة منفتحة تعددية عربية مسلمة إفريقية، مصر شابة بقدر شبابها الذين يناهزون 60 مليون شاب، مصر قوية منيعة معتدة بنفسها متواضعة محبة لمحيطها العربي مدركة لقيمتها وأهميتها وحجمها، مصر تدرك أولوياتها بشكل جيد ومنظم، مصر تلتفت لفقرائها وعاطليها وشبابها ومهنييها، مصر تعرف أن جامعاتها هرمت وتم تدجينها لخدمة النظام وزمرته الفاسدة، وتريد أن تعيد الحيوية لمراكز أبحاثها وتوائم بين مخرجاتها وحاجات مجتمعها، مصر رجال الأعمال الذين يسهمون في بناء اقتصاد وطني حقيقي وقوي وليس اقتصادا يقتاتون منه وعليه، مصر يكون فيها الجندي قويا ومتماسكا وعارفا لقيمة وطنه وأمته ومدركا لأعدائه الحقيقيين، مصر يقوم فيها جهاز أمن قوي حرفي مهمته حماية مواطنيه لا سرقتهم وابتزازهم، مصر يكون فيها الإعلام معبراً عن رأيه العام وموجها له لا بوقا يهدف للتأثير السلبي عليه وتوظيفه وتعبئته بما يخدم أهدافا ضيقة ومحدودة، مصر تشبه مصر وتشبهنا ونشبهها، مصر نحبها وتحبنا، مصر نلجأ لها وتحتمي بنا، مصر تقودنا ونلتقي فيها لا عليها، مصر تشبه أحمد زويل ونوارة نجم ووائل عباس وحمدي قنديل وعمار علي حسن والشيخ إمام والفريق الشاذلي رحمه الله. مصر تشبه كل عربي أحبها وأحبته، مصر تشبه عزمي بشارة والشيخ القرضاوي، مصر تشبه حمد بن خليفة أمير قطر الذي رحب بثورة مصر وأهلها، وقال لا وألف لا لكل من أراد إجهاض هذه الثورة، مصر تشبه الجزائريين والتوانسة واليمنيين والسعوديين والمغاربة والفلسطينيين، مصر تجعلنا نبكي ونبكي كل ليلة ونحن نراها تنهض وتحاول أن تنهض بنا، مصر تعتني بشأنها الداخلي وترتب أوراقها وتعيد بناء نفسها دون أن نثقل عليها الآن بقضايانا وهمومنا، لكن مصر تعدنا بأن تعود لمقعدها الفارغ في طاولة الأمة، ذلك المقعد الذي اختارته لنفسها واخترناه لها أيضا.
انتهى عهد مظلم وبائس في مصر، والآن لا وقت للحديث عن الماضي، ولا مجال للانتقام من أزلام الظلم والفساد والقمع السابق، الثورات نبيلة في تجاوزها وعفوها، الثورات تنظر للأمام ولا تلتفت وراءها أبداً إلا من أجل العبر وعدم الوقوع في الأخطاء ذاتها، لا وقت لقوائم السوء والدعم والإعلام والترويج للنظام السابق، إنه وقت العمل الحقيقي لصناعة وطن يليق بمصر وأهلها.
أمس كان هناك من يرتكب الخطأ ذاته، القول بعدم تماثل الأحوال واختلاف الظروف!!، ما زال هناك من يردد الأسطوانة المشروخة ذاتها، ما زال هناك أبوالغيط سيئ الذكر!، يا سادة: لا كرامة أدنى من الأخرى في هذا العالم العربي، لا أرواح أدنى، لا آمال وطموحات أقل، افهموا أرجوكم، الجينات العربية توحدت بشكل لا مثيل له هذه الأيام، وما نريده بات واضحا بشكل غير مسبوق، نعم قد تختلف الظروف والأوضاع قليلا، لكننا نريد أنظمة تشبهنا، فقط لا غير، هل هذا كثير، لا نريد إهانة للرأي العام واستخفافا به، لا نريد فسادا لا حدود له، لا نريد أشباه كفاءات تتبوأ سدة المناصب العليا، لا نريد تحالفات تخالف طبيعتنا ومصالحنا الحقيقية، لا نريد إعلاما يحتقرنا ويمعن في تشويهنا، لا نريد سلطة مطلقة إلهية تمنحنا العطايا والهبات وتتصدق علينا، لا نريد ثروة تنفق بغير حساب ولا رقيب، لا نريد مجالس صورية تمعن في إرساء الأخطاء وتشرعها!. نريد أن نكون مواطنين أحراراً متساوين، وأن نكون شركاء لا شيء أكثر!. هل هذا كثير!؟