أحيا المصريون الأحد ما أسموه quot;يوم الوفاء للشهداءquot;، وأقاموا الصلاة والقداس على أرواح الضحايا، وقد خابت توقعات الكثيرين بأن تشهد الاحتجاجات في ميدان التحرير انخفاضًا في مستوى المشاركة، بعدما حضر مئات الآلاف الأحد إلى الميدان.


توقع كثيرون أن تتقلص أعداد المحتجين في ميدان التحرير إلى أدنى حد لها، بسبب بدء العمل بصورة طبيعية في الشركات والمؤسسات الرسمية، إضافة إلى سوء الأحوال الجوية، لكن توقعاتهم خابت، حيث شهدت المظاهرة التي دعا المحتجون إليها، أمس الأحد، تحت اسم quot;يوم الوفاء لشهداء الثورةquot; وجوداً كثيفاً، وقدرت الأعداد بمئات الآلاف. لاسيما أن المحتجين استطاعوا ضم أجزاء جديدة إلى الميدان، حتى وصل إلى بداية ميدان عبد المنعم رياض من الناحية الشرقية.

وبلغت الثورة المصرية في يومها الثالث عشر ذروتها في الثالثة عصراً، بعد خروج الموظفين من أعمالهم، حيث توجهوا إلى ميدان التحرير في وسط القاهرة، واصطفوا في طوابير طويلة، إمتدت من أمام دار الأوبرا على الطرف الثاني من كوبري قصر النيل في محافظة الجيزة إلى ميدان التحرير في محافظة القاهرة، ولمسافة تقترب من ألف متر، وجاء اصطفاف المصريين في طوابير، نظراً إلى تضييق الجيش المدخل المؤدي إلى الميدان، فضلاً عن إخضاعهم للتفتيش من قبل الجيش وquot;اللجان الشعبية للثوارquot; المعتصمين هناك. ورغم هطول الأمطار في ذلك التوقيت، إلا أن المصريين استمروا في توافدهم، وسط هتافات المحتجين quot;المصريين أهمّا، المصريين أهمّاquot;، quot;الشعب يريد إسقاط النظامquot;.

وضمّت الثورة في يوم quot;الوفاء لقتلى الاحتجاجاتquot; مختلف شرائح وطبقات وطوائف المجتمع المصري، فكانت هناك سيدات منقبات ومحجبات بطريقة عصرية إلى جوار أخريات غير محجبات وترتدين ملابس quot;كاجولquot;.

ويقف عمال الترحيل والبسطاء وأرباب الحرف كتفاً بكتف إلى جوار أطباء ومهندسين وقضاة وعلماء أزهر ومثقفين وفنانين وسياسيين. وبينما أدى المسلمون صلاة الظهر، ودعوا للقتلى، أقام المسيحيون قداس الأحد وقداساً آخر على أرواح الضحايا. ورفع بعضهم القرآن إلى جوار الصليب، وأقام المسلمون حواجز بشرية حول المسيحيين خلال القداس، وهو الأمر نفسه الذي فعله المسيحيون مع المسلمين أثناء صلاة الظهر.

ووجهت بعض أسر ضحايا الاحتجاجات كلمات إلى المحتشدين في الميدان، طالبوهم بالثأر لأبنائهم من خلال مواصلة النضال والحفاظ على استمرارية الثورة حتى إسقاط النظام ومحاكمة رموزه، وعلى رأسهم الرئيس حسني مبارك، ورفعوا صور القتلى وملابسهم الملطخة بدمائهم، وطافوا بها في أرجاء الميدان، وسط هتافات quot;الشعب يريد إسقاط النظامquot;، quot;دم الشهيد مش هيروح هدرquot;.

وشهدت المظاهرة عقد قران عروسين بملابس الزفاف، وسط المحتجين الذين التفوا حولهما، وقدموا التهاني لهما، وغنّوا لهما على إيقاعات الدفوف.

وحمل بعض المحتجين لافتات ذات طابع ساخر، فقد وقف شاب ينتمي إلى محافظة المنوفية مسقط رأس الرئيس مبارك في مدخل الميدان من ناحية كوبري قصر النيل، وهو يحمل لافتة كتب عليها quot;أنا بريء منك ليوم الدين.. إمضاء: كل أبناء المنوفيةquot;.

ووقف ثان في مدخل الميدان أيضاً حاملاً لافتة كتب عليها quot;إلى صرف وجبة كنتاكي، الكذب حصري ع التلفزيون المصريquot;، في إشارة ساخرة من إدعاء التلفزيون الرسمي أن المحتجين مأجورون، ويحصلون على مبلغ خمسين جنيهاً، ووجبة غذائية من مطاعم كنتاكي. في حين رفع ثالث لافتة كتب عليها quot;الجمل رمز الحزب الوطني في الإنتخابات والبلطجةquot; في إشارة إلى أن الحزب الوطني يستأثر برمز الجمل في الإنتخابات، وهو الرمز الأشهر. حيث جرى استخدام الجمل في الهجمات التي شنّها البلطجية ضد المعتصمين يوم الأربعاء الماضي.

وخط المحتجون بالحجارة لافتة على أرض الميدان هي quot;ميدان الشهداءquot; في إشارة إلى أن ميدان التحرير شهد مقتل العديد من المتظاهرين، وبجوارها وضعت لافتة كتب عليها quot;إرحل باللغة العبرية.. يمكن ما بيفهمش عربيquot;، فيما جلس شيخ عجوز وسط الميدان، واضعاً على فمه لافتة كتب عليها quot;إرحلquot;.

رجل أصابت الحروق وجهه كتب على لافتة لفّها حول خصره quot;ارحل مراتي عاوزة تولد، الواد مش عاوز يشوفكquot;، ولف حول رأسه لافتة أخرى كتب عليها quot;ياريتك كنت طلعت الضربة الجوية ضدنا وحكمت إسرائيل 30 سنة، كان أفضل لشعب مصرquot;، في إشارة إلى أن المؤيدين للرئيس مبارك يقولون إنه صاحب فضل على الشعب المصري، عندما قاد الضربة الجوية الأولى في حرب أكتوبر/تشرين الأول العام 1973، التي استردت فيها مصر شبه جزيرة سيناء، حيث يتمنى المحتج لو أن مبارك قاد الضربة ضد مصر، وحكم إسرائيل 30 عاماً، لأن ذلك برأيه أفضل للشعب المصري.

محتج آخر كان يقف إلى جواره كتب على ملابسه quot;مبارك ارحل بقي يا عم خلي عندك دمquot;. وفي طرف الميدان الشرقي بالقرب من ميدان عبد المنعم رياض، صنع المحتجون لوحة من الحجارة كتبوا بها كلمة quot;ارحلquot; بخمس لغات مختلفة. وكتب شاب يعتصم في الميدان على الجاكت الذي يرتديه من الخلف quot;عايزين دستور جديد، كرهنا نكون عبيد، الجدع جدع والجبان جبان، إحنا يا جدع قاعدين في الميدانquot;.

ويبدو أن أحد الشباب المحتجين لم يبرح مكانه منذ بداية الثورة في الخامس والعشرين من يناير/كانون الثاني الماضي، ولم يستحم، لذلك وضع لافتة على صدره، كتب عليها quot;ارحل بقي عاوز استحمىquot;. وجلس آخر عاصباً رأسه بعلم مصر إلى جوار لافتة مكتوب عليها quot;ولا مولوتوف ولا كلاشنكوف، ارحل بقى يا خروفquot;، بينما علق في عنقه لافتة أخرى كتب عليها quot;حطمت قيوديquot;.

وكان إلى جواره مواطن آخر، يضع لافتة كبيرة كتب عليها quot;هنا قبريquot;. ووقف محتج وسط الميدان حاملاً لافتة كتب عليها quot;احترس الرئيس مسجل خطرquot;. وحمل شاب لافتة كبيرة مكتوب عليها quot;عنوانك الجديد: ميدان التحرير، الاسم: مصري رجعت له كرمته. الأوردر: تغيير شامل، وليس ترقيع خاملquot; في سخرية شديدة من إعلان تلفزيوني لمصلحة مشروع quot;مدينتيquot;، وهو منتجع سكني للصفوة مملوك لرجل الأعمال هشام طلعت مصطفى، الذي كشف القضاء عن أوجه فساد عديدة له في الصفقة التي حصل بموجبها على أرض المشروع، وتدخل الرئيس مبارك لإيقاف تنفيذ الحكم ورد الأرض للدولة، وأمر بإعادة بيعها لشركة طلعت بمبالغ زهيدة، علماً أنه مسجون حالياً على ذمة قضية مقتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم.

ولأن الحاجة أم الإختراع، فقد استخدم المحتجون المعتصمون في الميدان أكياس البلاستيك مع الأشجار الصغيرة في صنع خيام، تحميهم من هطول المطر، وفي إشارة إلى غصرارهم الشديد على عدم مبارحة المكان، إلا مع تحقيق كامل مطالبهم، وعلى رأسها quot;إسقاط النظامquot;.