سركيس نعوم
افادت معلومات وردت من القاهرة الى اكثر من جهة سياسية وديبلوماسية، ان الرئيس حسني مبارك اتخذ، قبل الثورة الشعبية الناجحة التي قادها شباب مصر ضده وضد نظامه، قراراً يفيد ان السيد عمرو موسى وزير خارجيته الاسبق قد امضى في الامانة العامة لجامعة الدول العربية اكثر مما يجب، وان مصلحة الجامعة كما مصلحة مصر، التي كان الامين العام لهذه الجامعة مواطناً من عندها منذ تأسيسها، باستثناء الفترة التي انتقلت فيها الجامعة كلها الى تونس بعد اتفاقات كمب ديفيد بين مصر واسرائيل، تقضيان بأن يتولى هذه المهمة فيها شخصية مصرية اخرى. ويفيد القرار ايضاً بترشيح السيد مفيد شهاب لمنصب الامين العام للجامعة المذكورة. وافادت المعلومات نفسها ايضاً ان الدوائر الرسمية المعنية في القاهرة وفي مقدمها وزارة الخارجية، كانت أرسلت تعليمات الى بعثاتها الديبلوماسية في كل الدول العربية تدعوها الى ابلاغ السلطات المعنية في الاخيرة بقرار ترشيح شهاب، والى الطلب اليها تأييده، والسعي كي يتم التوافق على ذلك باجماع الدول العربية، اي بالتزكية ومن دون منافسة، جدية كانت أم غير جدية. وافادت المعلومات اياها ثالثاً ان توقيت قرار مصر ابدال عمرو موسى بمفيد شهاب ارتبط وعلى نحو وثيق بموعد القمة العربية الدورية المقرر ان تنعقد في العاصمة العراقية بغداد بعد اسابيع، ذلك ان قرار تعيين الامين العام للجامعة لا بد من ان يتخذه الملوك والرؤساء العرب المجتمعون في قمة رسمية. طبعاً كانت مصر تعرف، وفي المقدمة رئيسها (السابق) حسني مبارك، ان مكان انعقاد القمة لم يُحسم بعد، لاعتبارات كثيرة، اهمها الوضع العراقي المستمر في اضطرابه وخصوصاً على الصعيد الامني رغم التقدم الذي تحقق فيه على صعيد بناء مؤسسات الدولة بعد الانتخابات النيابية التي جرت قبل نحو احد عشر شهراً. وكانت تُرجِّح ان يرسو عليها في النهاية الخيار كمقر للقمة المذكورة، رغم تأكيد السلطات العراقية تمسكها بانعقاد القمة على اراضيها، وتالياً كانت تعتبر ان عليها القيام بواجبها لجهة اعلام القادة العرب كلهم بأمر ترشيحها نهائياً شخصية اخرى لخلافة موسى، وذلك كي يحسموا هذا الامر في اجتماعهم المقبل. لكن الذي حصل هو ان عدداً كبيراً من البعثات الديبلوماسية المصرية العاملة في الدول العربية لم تتمكن من ابلاغ الترشيح الى السلطات المعنية فيها، اولاً لاندلاع الثورة الشعبية ndash; الشبابية في مصر ولاتخاذها حجماً وطنياً كبيراً وضع رئاسة مبارك على المحك ومعها نظامه، وكذلك استقرار مصر ومستقبلها. وثانياً لتخلي الرئيس مبارك عن السلطة. وثالثاً، لانشغال quot;المجلس الاعلى للقوات المسلحة المصريةquot;، الذي تولّى سلطاته بإنجاز المطالب التغييرية التي رفعتها الثورة الجماهيرية الضخمة، الامر الذي قد لا يجعل موضوع خلافة عمرو موسى اولوية عنده. هذا فضلاً عن ان انعقاد القمة العربية الدورية قد يصبح مشكوكاً فيه، ذلك ان اوضاع العراق لم تصبح مثالية كي يوافق ملوك العرب ورؤساؤهم على الاجتماع فيه. كما ان اوضاع مصر راهناً والتطورات التاريخية والتغييرات البنيوية التي ربما يفترض ان تجري فيها، قد لا تشجع رئيسها الحالي اي quot;المجلس الاعلى للقوات المسلحةquot; على عرض استضافة بلاده القمة المرتقبة وتأمين كل مقومات النجاح لها.
الا ان المعلومات المفصلة اعلاه التي وردت حديثاً من القاهرة تثير اسئلة عدة، وخصوصاً بعد إقدام الامين العام لجامعة الدول العربية عمرو موسى وفي عز الثورة الشعبية التي قادها الشباب ضد رئيس مصر حسني مبارك ونظامه، على الاعلان للرأي العام في بلاده اولاً ثم في العالم العربي انه يفكر في التخلي خلال اسابيع عن موقعه العربي الرسمي، وانه لا يمانع في ان يتولى اي موقع يستطيع خدمة بلاده فيه. وعدم ممانعته هذا اتى رداً على سؤال حين صار مؤكداً ان الثورة ستستمر اذا لم يتنحَّ مبارك، وحين بدأت الطموحات الرئاسية تبرز عند عدد من الشخصيات المصرية. وابرز الاسئلة كان: هل كان عمرو موسى عارفاً بقرار مبارك ترشيح غيره لموقع الامين العام للجامعة العربية؟ وهل أطلع مبارك موسى على نيته هذه وتالياً على قراره؟ وهل أطلعه ايضاً على اسم مرشحه لخلافته (اي موسى)؟ وهل كان لقرار مبارك هذا دور في اعلان موسى اعتزامه الاستقالة من الجامعة وتالياً وضع نفسه في تصرف الشعب وفي خدمته؟ ام ان اعلانه هذا كان وليد التزام وطني كان دائماً موجوداً او كامناً، فأتت الثورة الشعبية ndash; الشبابية في مصر لتعيد الحياة اليه؟
الحقيقة ان الاجوبة عن اسئلة كهذه غير متوافرة عند الكثيرين. وهي قد لا تتوافر قريباً، او قد لا تتوافر اساساً، لان الموضوع كله لم يعد مطروحاً بعدما quot;طارquot; صاحبه من السلطة، اي الرئيس مبارك، وبعدما صارت اهتمامات حكام مصر الجدد quot;الموقتينquot; رغم ديمومة حمايتهم للنظام في مصر، ايِّ نظام، موجهةً صوب قضايا اخرى اكثر اهمية. ولا احد يدري اذا كان هذا الموضوع ملحّاً الى درجة انشغال الدول العربية مجتمعة به. علماً ان المنطق يقول انه ليس بهذا الالحاح، إلا طبعاً اذا كان قرار موسى quot;التخليquot; عن الامانة العامة جدياً ونهائياً. ذلك ان الانظمة الحاكمة هذه الدول بطريقة واحدة، غير ديموقراطية وشمولية وتسلطية وديكتاتورية، رغم تناقض توجهاتها وتسمياتها quot;يحسحسquot; الكثير منها على رؤوسه في هذه الايام، ولا سيما في ظل عدوى التجرؤ على أصحاب القمع والظلم والتسلط وعلى الانظمة المُمارِسة لكل ذلك، التي انتقلت من تونس الى مصر وأثمرت فيهما. وهي تنتقل حالياً الى اليمن والجزائر وربما تنتقل لاحقاً الى دول اخرى. وطبيعي ان تشغل هذه العدوى الدول والانظمة في هذه المرحلة اكثر من انشغالها بمن يكون اميناً عاماً جديداً لجامعة الدول العربية. علماً ان احداً قد لا يشعر بفرق كبير اذا شَغَر هذا الموقع. ذلك ان الجامعة اساساً تبدو شاغرة او بالاحرى مُعَطَّلة وبقرار من اعضائها.
التعليقات