دبي - إبراهيم سعيد الظاهري
كيف يمكن توصيف المرحلة التي نعيش وأي مصطلح سياسي يمكن أن ينطبق على هذه المرحلة التي بدأت تتشكل وبخاصة لدى شباب ldquo;الفيس بوكrdquo; وrdquo;التويترrdquo; وعالم الانترنت وشبكة الاتصالات في ظل طوفان الشبكة العنكبوتية وهو ما أحدث نقلة نوعية في تشكيل الرأي العام من مختلف التوجهات بما يجري في العالم الذي يشكل خروجاً على نمطية كل الأساليب والعناوين التي تشكلت في سياق التحولات على الساحة العربية منذ الحرب العالمية الثانية في القرن الماضي وحتى الآن .
هؤلاء الشباب على درجة عالية من الوعي العلمي وفي وضع اقتصادي جيد إلا أنهم في مقدمة باقي فئات المجتمع المتوسطة، أو تلك التي تعاني من أوضاع اقتصاية سيئة، والدافع لحركتهم المطالبة بالحريات السياسية والإصلاحات الاقتصادية والاجتماعية وعلى الأنظمة العربية السعي إلى تحقيقها والتعامل مع مكوناته المختلفة بالانفتاح على شرائحه المتنوعة والاعتراف بحقيقة أوزان ومكونات المجتمع لا القفز عليها لحساب فئات ومجموعات ضيقة سعت إلى تقديم نفسها بأنها الفئة المخلصة والمنقذة للأنظمة الحاكمة في عالمنا العربي وهي في الواقع الحقيقي مجموعات في غالبها متسلقة استثمرت أحداثاً كبيرة حملت عناوين مختلفة مثل عنوان الإرهاب والأزمة المالية التي يمر بها العالم وغير ذلك من أحداث عانت منها كافة شعوب العالم وفي مقدمتها الشعوب العربية .
هذه الفئة التي استأثرت بالقرار السياسي والاقتصادي والإعلامي وغيره بتزواج الثلاثي ldquo;السلطة والمال والأمنrdquo; وهو ما أدى إلى إفساد الحياة السياسية وأعطت لنفسها الحق بمصادرة كل شيء وخلقت حالة من العزل والاحتقان والانسداد بين الطبقات الحاكمة والغالبية المجتمعية وهي لا تمثل في الواقع ثقلاً واضحاً مستخدمة أدوات وأجندات باتت معروفة ومكشوفة أقنعت بها أصحاب القرار والنفوذ في عالمنا العربي وفي إخافة المجتمع الدولي من قوة تيار ldquo;الإسلام السياسيrdquo; الذي لا يمثل سوى فصيل ضمن المكونات الوطنية الأخرى وجعله فزاعة في وجه الإصلاح وربطه بالحركات الإرهابية التي يعاني منها العالم وعلى ما يبدو من مجريات الأحداث الأخيرة في المنطقة هو ما تنبهت إليه الولايات المتحدة والدول الغربية بل ودول العالم أجمع . وأنتجت بالمحصلة النهائية هذه الفجوة المدمرة بين مؤسسات الحكم وباقي مكونات المجتمعات العربية .
وما لم ينتبه أصحاب القرار إلى مراجعة هذه السياسات الكارثية واستبعاد واضعي هذه السياسات والحد من نفوذهم والانفتاح على كل المكونات والأطياف وتأكيد تبني سياسات ومعالجات حقيقية تجعل من سلم الحريات منطلقاً لهذه الإصلاحات التي يطالب بها الناس في المجالات كافة كي لا يتكرر ما حدث في أمكنة أخرى، فإننا سنكون أمام تطورات خطيرة قد لا نملك ملامحها وما ستفرزه من نتائج .
كما لم يعد مقبولاً أن يظل الجانب الأمني هو الوحيد المهيمن على هذه السياسات بعد أن رأينا حجم ما سببه من مشكلات للمجتمعات العربية وما أدخله من هلع وخوف تجاوز الحدود في معظم دولنا العربية حيث اختفت الدولة المدنية لمصلحة ldquo;العسكرةrdquo; وrdquo;الأمننةrdquo;، وعلى القادة وصناع القرار في عالمنا العربي أخذ قرارات إصلاحية جريئة تلبي تطلعات شعوبهم وتكسر حالات الخوف وعدم الثقة في ما بين مكونات هذه المجتمعات والاستفادة من خبرة وكفاءات أبنائه والنظر إلى مايجري بنظرة إيجابية لا سلبية واستثمار هذا الجانب والبناء عليه لإقامة مجتمعات عربية قوية في كافة المجالات وإعادة الثقة المفقودة .
الإصلاح السياسي والاقتصادي والاجتماعي مطلب عربي عام رغم الفروقات في شكل وطريقة هذا الإصلاح بين دولة وأخرى وما تتطلع إليه شعوب المنطقة في هذه المرحلة هو أن تتبنى الدول العربية سياسة إصلاحية ترتكز وتنطلق من متطلبات شعوب المنطقة وتتماشى مع طبيعة مكونات هذه الأنظمة في ظل ما يربط هذه الشعوب بحكوماتها من علاقات حميمية على مدار السنين الماضية رغم ما شابها من فتور في السنوات الأخيرة حيث تحتاج إلى مراجعات فورية تدفع بعودة ماطرأ عليها من تغيرات نتيجة للسياسات التي طبقت في بعض الدول في هذه المرحلة وأوجدت فجوة وشرخاً في هذه العلاقة .
إن على القيادات السياسية والعقلاء في أنظمة الحكم عدم التمسك بتلك السياسات في هذه المرحلة الحساسة التي تحتاج إلى إعادة النظر في العديد منها وإشاعة المزيد من حرية الرأي والتعبير وبناء المزيد من جسور الثقة بين مكونات المجتمع وقياداته السياسية .
إن من المؤشرات الجديرة بالتأمل والتوقف عندها للتذكير فقط وليست بالأمر الجديد أن أوروبا عموماً وأمريكا خصوصاً لا تقيم أبداً للعلاقات مع الأنظمة وزناً بل تتحرك وفق مصالحها، لا يعنيها في ذلك يد سلفت ولا دين مستحق، حيث في السياسة لا صديق دائم، بل مصالح دائمة، هذه الإشارة يجب ألا تغيب عن الأذهان عند قراءتنا الساحة السياسية، وهذه ليست وليدة اليوم . والحدث الأقرب إلى الأذهان الذي يمكن أن نستشهد به هنا الأحداث التي شهدتها المنطقة العربية في تونس ومصر .
إننا أمام مشهدية جديدة وأنماط جديدة تنطلق منها تطلعات الشعوب، حيث صارت أجهزة الكمبيوتر وrdquo;اللابتوبrdquo; والهاتف الجوال مكاتب صحافية متحركة، ولم تعد الكلمة العليا الآن للإعلام التقليدي الذي سقط دوره كنافذة وحيدة للمعرفة أو منبع للأخبار، فقد تجاوزت الشعوب العربية بفضل وسائل التقنية الحديثة هذه الأدوات، كما أن الحجب والمنع والقمع لم يمنع أو يحول دون تواصل الشباب مع بعضهم، فقد امتازوا وتميزوا في كيفية تجاوز تلك العقبات، فتواصلوا في ما بينهم نقاشاً ومحاورة وتفكيراً وتخطيطاً وتنفيذاً عملياً على أرض الواقع .
هذا الحضور الحاسم والطاغي لوسائل التكنولوجيا الحديثه من شأنه أن يدفع القائمين على أمر الإعلام، وزارات وأجهزة، وأدوات، العمل على استبصار هذا الواقع الجديد واجتراح أفكار جديدة وقيم تلبي احتياجات المرحلة، فلم يعد لحارس البوابة ldquo;لازمةrdquo; .
إننا أمام معطى مختلف يحتاج منا أن نبادر لتغيير منهجنا في مناولة المشكلات التي نعيش، علينا أن نقترب أكثر من تطلعات شبابنا، من حاجياتهم ومن هواجسهم، وأن نسعى إلى إقامة التوازن بين هذه القناعة بأن الزمن اختلف فعلاً، وأن التحولات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية باتت حتمية .
التعليقات