غازي دحمان

تكشف الخطوة الأخيرة، ل(حزب الله) وقوى 8 أذار المؤيدة له، دخول الأزمة اللبنانية مفترق مصيري وحاسم، وبداية مرحلة جديدة، تختلف عما عرفه لبنان في السنوات الأخيرة، وإن كانت خطوة الإستقالة من الحكومة، تنويعة على ذات السلوك الذي مارسته هذه القوى في نهج ممانعة تحقيق الإستقرار والتوافق في لبنان .
في الظاهر، فإن خطوة الإستقالة من الحكومة، على سبيل المثال حملت مضامين لعقلانية سياسية تقطع نهجاً انتصارياً وثوقياً مارسته هذه القوى على مدار فترة الأزمة الممثلة بإقتراب صدور القرار الظني، فالإستقالة تعني أنه لم يعد لدى هذه القوى أي أوهام تتعلق بإمكانية إرضاخ وابتزاز الطرف الأخر، إضافة إلى حقيقة إدراك هذه القوى أنها مقبلة على خسارات سياسية معتبرة ومتوالية، إنطلاقاً من واقع عدم صياغتها لإستراتيجية مواجهة سياسية سلمية وواقعية، نظراً لإنشغالها، ومنذ بداية الازمة، بتفحص، وحتى تثمير خيارات أخرى إعتقدت بنجاعتها وقدرتها على حسم الأزمة لصالحها .
وفي الواقع، أشرت خطوة الإستقالة من الحكومة، على عمق الأزمة التي تعيشها أطراف قوى الثامن من أذار، وفي مقدمها (حزب الله) ذاته، في إختيارها للنهج التصعيدي والإستفزازي، ضيعت هذه القوى فرصاً عديدة لعبور الأزمة، ولم تدرك منذ البداية أنها بصدد أزمة سياسية تستوجب مقاربات عقلانية ومنطقاً سياسياً لمعالجتها، شأنها شأن كل الأزمات التي تواجه الكيانات والتنظيمات السياسية، حيث تقتضي الرشادة السياسية اللجوء إلى الخيارات الأقل سوءاً، بإعتبار ان السياسة وسلوكها يندرجان ضمن حقيقة فن الممكن وليس المرغوب، إنطلاقاً من حقيقة ممارستهما ضمن بيئات صراعية .
وعلى طول فترة الازمة، إرتكز حزب الله، في بناء إستجابته (للتحديات التي يواجهها لبنانياً) على معطيات متغيرة وأقل ما يمكن وصفها بانها غير صلبة، من قبيل إستناده على القوة العسكرية التي يمتلكها، أو إستمرار حالة الإستاتيكو الإقليمي، من دون إدراك الطاقة التنازعية الهائلة داخل هذه المعطيات وإحتمالية إنزياحها، أو تعطيلها، حتى إرادوياً، ضمن سياقات داخلية وإقليمية معينة .
لا شك ان (حزب الله) وحلفاءه في الداخل اللبناني إستطاعوا تصميم وصنع أزمة في الواقع السياسي اللبناني، من واقع إستثمارهم للأزمة من جانبها الدستوري، أو التوافقي، عبر نسخته القطرية (إتفاق الدوحة)، لكن الأكيد انهم لن يملكوا ذات القدرة على التحكم في مخرجات هذه الازمة ولا التداعيات الحاصلة جراءها، والقراءة الدقيقة والمحايدة، تدلل ان حجم الخسائر ونوعيتها على جبهة هذه القوى ستكون أكبر من قدراتها اللوجستية وتصوراتها السياسية .
ولا يفيد (حزب الله) محاولته التلطي خلف مطالبات إدارية وإجتماعية، في محاولة بدت مكشوفة بربط الحاصل في لبنان بالسياق العربي (تونس والجزائر ومصر والسودان)، وتركيب الأزمة على خلفيات مطلبية وإخفاء البعد السياسي للأزمة، وقد كان من الافضل له قراءة المشهد بإسلوب أكثر إبداعية، ليتأكد ان احد مخرجات الأزمة التي وضع لبنان فيها، تكمن في أن صدور القرار الظني في ظل أزمة دستورية سيعمل على تثقيل الأزمة وتحميلها أبعاداً سياسية أعقد، أولها وأهمها، إظهار الحزب كطرف غير قانوني، ويكشفه امام القوى الخارجية المتربصة به، فضلاً عن خسارته للدعم اللبناني الرسمي والأهلي الذي يمنحه شرعية التكوين السياسي الداخلي. وهذا هو لب الازمة .