راجح الخوري
آخر من يحق له توجيه اللوم الى الرئيس المنهار حسني مبارك والتصفيق لنجاح ثورة التغيير في مصر، هي أميركا، سواء جاء اللوم والتصفيق من الذين يمسكون بالادارة الاميركية الآن، أو من أولئك الذين أمسكوا بها بالأمس. فلقد كانوا جميعا، ومنذ ثلاثين عاما، شركاء يعتمدون في السهر على المصالح الاميركية في مصر خصوصا وبعض المنطقة عموما، على ممارسات ذلك النظام الذي قاده حسني مبارك وخصوصا في الاعوام الـ15 الاخيرة.
لقد قرأت بكثير من الاستغراب ما كتبته وزيرة خارجية أميركا السابقة كوندوليزا رايس عن quot;مستقبل مصر الديموقراطيةquot;، وقد كانت شريكة الرئيس جورج بوش الابن في أكثر حقبات السياسة الاميركية الحمقاء، التي بدأت طلائع هزائمها تتوالى الآن من مصر الى باكستان، مرورا بالعراق وأفغانستان وربما بمعظم دول الشرق الاوسط، التي تواجه في هذه الايام دومينو من الانهيارات.
لكنها انهيارات ضرورية وحتمية، يؤمل في طول هذه المنطقة وعرضها أن تؤدي في النهاية ولو بعد فترة طويلة من الفوضى والآلام والمعاناة، الى قيام أنظمة ديموقراطية شفافة ونظيفة وواعية، تصنع حاضرا ومستقبلا لكل هذه الشعوب المقهورة، التي شبعت فقرا وتنكيلا وتخلفا واستغلالا.
❒❒❒
لم يكن من حق السيدة رايس ان تذكّرنا بما قالته في الجامعة الاميركية في القاهرة في أيار من عام 2005 من ان quot;أميركا ستقف مع الشعب الذي يسعى لنيل حريتهquot;، على الاقل لأنها كانت في ذلك الوقت تعرف ان الشعب المصري يريد حريته ولكنه ممنوع من السعي لنيل هذه الحرية، ولأنها تعرف ايضا أن دعم واشنطن للنظام المصري الذي قاده حسني مبارك، منع المصريين حتى من الحلم بالحرية!
لم تكن رايس في حاجة الى تعداد البشاعات والاخطاء التي ارتكبها مبارك والنظام المصري، بل كانت في حاجة، على الاقل، الى الاحساس بأنها تستدرك وتتذكر البشاعات والاخطاء التي ارتكبتها واشنطن، حتى قبل وصول مبارك الى السلطة ومنذ قام أنور السادات بتوقيع اتفاق كمب ديفيد الذي قيل إنه اتفاق سلام، تصفه رايس بأنه quot;سلام باردquot;!
طبعا ليس خافيا على رايس ولا على الرئيس باراك أوباما الآن ووزيرة خارجيته هيلاري كلينتون، ان الذي همّش دور مصر وأهميتها المحورية التاريخية، التعامي عن ديكتاتورية النظام والميل الى التطبيق البائس لاتفاق كمب دييد ودائما لمصلحة اسرائيل، اسرائيل التي قيل يوما إنها quot;الولاية الاميركية الثانية والخمسينquot;.
إن دعم النظام الفاسد سواء مع أنور السادات أم مع حسني مبارك، هو الذي حال دون قيام التغيير التدريجي والتطوير المتدرج والتحسين المدروس وصولا الى قيام ديموقراطية مزدهرة لا تعطي الشعب المصري حقه في الحياة الكريمة فحسب، بل تعيد الى مصر دورها الاقليمي المحوري المؤثر، لكن مصر تم تفريغها من مصريتها اذا صح التعبير كما تم قهر المصريين وتجويعهم وافقارهم ونزع الامل من حياتهم، في وقت كانت المليارات الـ90 من الدولارات الاميركية (وهذا هو quot;المنظورquot;) تنفق على يد مبارك ونظامه بأساليب السرقة وتكديس الثروات والناس في جوع!
❒❒❒
أخطر من كل هذا كانت أميركا تعرف وكانت تسكت وتتغاضى، وإن لم تكن تدرك ان كل هذا سيؤدي الى الانفجار الذي شهدناه أخيرا فتلك مصيبة، وان كانت تدرك (وهي تدرك) وتركت الامور في الاهتراء كل هذا الوقت، فالمصيبة أعظم!
نقول هذا ليس لأن واشنطن التي احتارت في الاسبوعين الماضيين، مَن تدعم بقاء النظام أم رحيل مبارك، بل لأن سقوط مبارك هو بداية سقوط تسويات عمياء انحازت الى اسرائيل فذبحت فرصة السلام العادل والشامل والمستقر، الذي طالب به أولا الرئيس حافظ الاسد وقبلته كل العواصم العربية، ولم تعره واشنطن ما يستحق من الاهتمام.
وعندما تكتب رايس ما يشبه النصيحة قائلة: quot;ان الخوف من سماع الأصوات الحرة لم يعد قادرا على تبرير إنكار الحريةquot;، فمن واجب واشنطن بالتحديد ان تسمع جيدا!
التعليقات