مصطفى الصراف

لن تكون المرحلة المقبلة على مصر عسيرة التكوين أو متعثرة، كما يتصور البعض أو يحاول بعض آخر التخويف منها. ان مصر دولة مؤسسات وغياب أفراد في قيادتها لن يجعلها تنهار، كما أن ملامح النظام السياسي المراد الانتقال اليه واضحة لرجالاته، ووضوح معالم النظام السياسي القادم في مصر، مستفاد من طبيعة قيام النظام السياسي السابق. ومن النقد الذي وجه لذلك النظام، ان التغيير السياسي الذي حدث في سنة 1952 كان انقلاباً عسكرياً في بدايته ثم انضم اليه الشعب مرحباً به ليتحول الى ثورة، لكن بقيت سمات الطابع العسكري متحكمة فيه لمواجهة التحديات الخارجية آنذاك، لا سيما الاستعمار الانكليزي واسرائيل، لذلك كان النظام رئاسياً بقيادة الرئيس جمال عبدالناصر، وكان نظاماً مناسباً لتلك المرحلة وفي يد قيادة مخلصة حكيمة مع ما شاب النظام من تضييق على الحريات. وفي مرحلة ما بعد جمال عبدالناصر وعلى اثر الانقلاب الذي قام به أنور السادات على المرحلة الناصرية ورجالاتها، ظل محتفظاً بالنظام الرئاسي ليبقى متحكماً في ادارة وتوجيه ذلك الانقلاب الى الوجهة التي انتهى اليها، وهي ابرام اتفاقية كامب ديفيد مع اسرائيل.
وبعد مقتل أنور السادات وبداية حكم حسني مبارك، ومع تغير الظروف الخارجية التي هيأها له أنور السادات، وما جبل عليه حسني مبارك من تربية عسكرية ميالة الى تركيز الصلاحيات في يده، فإنه ظل محافظاً على النظام الرئاسي مع تعديلات دستورية تمنحه المزيد من السلطة التي كانت نتيجتها انتشار الفساد الذي أدى الى ثورة شعبية في 25 يناير 2011 منذ بدايتها، وليس انقلاباً عسكرياً، وقد أعلنت هذه الثورة عن نفسها في مطالبها، وأهمها أن تتحول الى نظام ديموقراطي حققي شكلاً وموضوعاً، وهو ما يعني أن تتجه هذه الثورة الى صياغة دستور جديد يعتمد النظام البرلماني بديلاً عن النظام الرئاسي الذي سبقت تجربته. وربما في النظام القادم تقلص صلاحيات رئيس الدولة ليصبح ذا صلاحيات محدودة ويتم انتخابه عن طريق البرلمان، وليس مباشرة من الشعب لمدة أو مدتين بحد أقصى. وسيكون من ملامح النظام التعددية الحزبية ذات البرامج الوطنية التي تؤمن بأن الدين لله والوطن للجميع، وليس خاضعاً لنظام حزب الأغلبية المفروضة من السلطة، كما كان عليه الوضع، بل ستشكل الحكومة فيه من حزب الأغلبية في البرلمان اذا توافرت، وقد لا تتوافر هذه الأغلبية لحزب بعينه في بداية المرحلة المقبلة. ولذلك المرجح أنها تكون حكومة ائتلافية حتى يبرز من بينها مع الوقت حزب قادر على استقطاب الجماهير بما يقدمه من برامج اصلاحية تتوافق مع الارادة الشعبية الغالبة. لقد بات الشعب المصري واعياً لمطالبه من خلال معايشته للحكم العسكري في المراحل الثلاث السابقة، ولن يحتار في الوصول الى النظام المؤدي لتحقيق رغباته، ما دامت السلطة اليوم في يده. وهذه المطالب باختصار: نظام ديموقراطي برلماني يحتم تداول السلطة، نظام يقضي على الفساد ذو أجهزة رقابية فاعلة، نظام يوفر الحريات الشخصية ويحافظ على حرية العقيدة وحرية الرأي، ونظام تكون فيه وسائل الاعلام مستقلة محايدة لا تتحكم في توجيهها السلطة، كما هي في معظم الدول العربية.