غسان سليمان العتيبي


ارتفعت قيمة الجنيه المصري إبان حكم الملك فاروق ـــ إذ كان يعادل جنيهين استرلينيين ـــ ثم قامت ثورة الضباط الأحرار.. وجاء الزعيم جمال عبدالناصر، فارتفعت بفضل زعامته الرؤوس، ولكن في المقابل خوت الجيوب، فقد نادى بالقومية العربية، وانتهج نهجا ثوريا، وانفق اموال الدولة على الحروب وحركات التحرير في الاقطار العربية. ثم رحل وخلف من بعده الرئيس انور السادات، الذي افرغ الجيوب وعرى الرؤوس، وخاض حرب 1973 واعقبها بمعاهدة سلام مع اسرائيل كانت سبب القطيعة بينه وبين الدول العربية جميعها، فقد أراد العرب ان تتمسك مصر بدورها الريادي كما كان في العهد الناصري، وظلوا يحرضون السادات على محاربة اسرائيل من دون دعم منهم حتى فاض به الكيل وخرج يوما وقال بأسلوبه الرائع laquo;عمالين تقولولي فلسطين فلسطين.. هي فلسطين دي بتاعت أميraquo;.. وصرح مرة أخرى قائلا laquo;لن أدع شهيدا مصريا واحدا يذهب وأنتم جالسون كالخراتيتraquo;.
الشعب ذاته الذي صمت على الفقر أيام عبدالناصر، ورضخ تحت وطأته أيام حكم السادات، انتفض وثار عليه في حكم مبارك، رغم انه ـــ كما اسلفنا ـــ هو العصر الافضل في مسيرة الشعب المصري، وهذا ما لاحظناه في خطابات الرئيس مبارك وقت الازمة، اذ بدت الصدمة واضحة على ملامحه، فقد كانت لديه قناعة تامة بان الشعب يحبه، والحق ان الاغلبية من الشعب احبته.
نعلم ان التغيير حق للشعب المصري، لكن كان الواجب أن تتوقف الثورة بعد تلك التعديلات التي أجراها الرئيس مبارك والتغييرات التي احدثها بمواد الدستور، وان يكمل ولايته ثم يخرج بطريقة مشرفة ونزيهة، فعيب على الشعب المصري ان يقبل ان يهان رمز من رموزه حافظ على سلامة الوطن طيلة ثلاثة عقود، والعيب كل العيب ان يخرج المنافقون والحاقدون على الفضائيات بعد تخليه عن الحكم والشماتة بأعينهم ويتقولون على الرجل أقوالا ما كانوا يقدرون على النطق بها ابان حكمه.
رحل مبارك والتظاهرات ما غابت عن أرض مصر، البعض يريد البقاء في الميدان حتى تتحقق مطالبه (يمكث ستة اشهر في الميدان)، والنقابات العمالية تطالب برفع الأجور، والعاطلون يطالبون بالتوظيف، يريدون كل هذا في يوم وليلة!.. فيا شعب مصر التغيير لا يحدث في لحظة، ساعدوا رجال الجيش على تسيير البلاد، ولا تقلبوها فوضى فيضيع كل جهدكم هباء، وتنقلب الثورة إلى أداة تدمير للوطن.