أحمد زويل

أطاح الشعب المصري بالنظام السابق في ثورة سلمية، وقد هدأت حدة الأحداث الآن وبدأ العمل الصعب المتمثل في إعادة البناء، وهناك مزيج من الانفعال وبعض التخوف يسود حاليا، ولكن هناك احتمالا لتحقيق تقدم حقيقي على الأقل في إعادة مصر إلى موقع قيادة العالم العربي، غير أنه لكي تنجح الديمقراطية بالفعل لا بد من اتخاذ خطوات محددة الآن.

أولاً وقبل كل شيء، لا بد للجيش من القيام حسبما تعهد بنقل السلطة إلى حكومة مدنية والعودة إلى دوره كحارس للدستور. وباستخدام النظام القضائي الذي يحظى بالاحترام في مصر ستتم كتابة دستور جديد لإدراج المثل العليا المتعلقة بالحرية والعدالة والوحدة رؤيا وطنية للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، حيث لا ينبغي أن تلهيهم المعارك الأيديولوجية والمناورات السياسية والصراعات الجانبية. وميلاد الديمقراطية في مصر له ثمن، وينبغي على الشباب أن يوجهوا طاقتهم نحو إصلاحات سياسية واقتصادية حقيقية، وألا تستقطبهم الحياة السياسية التقليدية كالمعتاد.

تواجه مصر مشكلات كبرى، ففي ظل النظام السابق شكل الدخل العائد من السياحة وقناة السويس وبعض الموارد الطبيعية الغالبية الكاسحة من إجمالي الناتج المحلي، ومع وجود سكان يبلغ عددهم ‬85 مليون نسمة نصفهم تقريبا تحت خط الفقر، فإن القضية الأولى في الإصلاح هي التعليم، ومصر غنية برأس المال البشري القادر على التجديد ومع نظام التعليم الجديد فإن مصر يمكن أن تصبح لاعبا حقيقيا في السوق العالمي. وعلى المستوى الوطني يتعين على البلاد أن تتخلص من الفساد الذي ضرب جذوره عميقة في النظام القديم.

وأن تبدأ على الفور إصلاحات للهيكل الحكومي، ولا بد من معالجة مشكلة الأمية، فمصر لن تدخل القرن الحادي والعشرين أبدا بنسبة أمية تصل إلى ‬30٪ من السكان، ويتعين أن يحل محل الإعلام القديم الموجه إلى الدعاية، كيان مستقل له نظرة جديدة إلى العالم الحديث. إن المثل العليا للشباب المصري وتطلعاته هي أمور حقيقية، وما يسعون إليه هو مصر جديدة، وهم يعرفون ماضيهم المجيد، ويرغبون في صياغة مستقبل جديد، لقد كانت ثورتهم سلمية ومدنية وعلمية، ولم يكن لها بطل ينتمي إلى اليسار أو إلى اليمين. وقد قام الشباب بتنظيف الشوارع وتنظيم حركة المرور، بل وشكلوا دروعا بشرية لحماية الكنوز الوطنية مثل المتحف المصري.

لقد شاهدت بنفسي المجموعات المدنية التي بادرت إلى حماية المواطنين، بعد أن سحب النظام السابق رجال الشرطة من الشوارع، وقد كانت الثورة علمية، بمعنى أن الشباب استخدم الإنترنت والرسائل النصية والفيس بوك وغيره ومن التقنيات الأخرى لتنسيق أنشطتهم وضمان التحرك السلمي ضد قوى النظام الوحشية. لقد أقر الرئيس الأميركي أوباما على نحو بليغ بطبيعة الثورة التي شهدتها مصر قائلا: laquo;لقد ألهمنا المصريون وقاموا بذلك من خلال تكذيب الفكرة القائلة إن العدل يمكن تحقيقه على أفضل وجه من خلال العنفraquo;. إن شباب مصر وحركتهم الثورية يستحقان كل تكريم.

وربما كانت الوسيلة الأكثر ملاءمة لهذا التكريم، هو أن تقوم الولايات المتحدة ـ أوروبا ـ اليابان ـ الصين والدول الأخرى بإنشاء صندوق يعتد به، له هدف واحد هو الاستثمار بمستقبل هؤلاء الشباب أي في التعليم الحديث، فأكثر ما يحتاجه هذا الجزء من العالم هو مراكز التميز في العلم والتقنية، ومثل هذه المعاهد ستصبح منارات معرفة وستزيد من الكبرياء الوطني وتمكن الشباب من المساهمة في الاقتصاد العالمي.

يعد التفكير العلمي إحدى القوى الرئيسية التي ستمضي بمصر قدما إلى الأمام في المرحلة المقبلة، وإذا غرسنا هذه القيمة الجوهرية في نفوس الشباب بالطريقة السليمة فسيكون لدينا جيل بـأسره من المصريين الذين يتمتعون بطاقة غير محدودة تقريبا، ولقد سبق لنا أن رأينا في السنوات السابقة أن استثمار الهند في العلم قد أعطى ثماره، وانطلق بالبلاد قدما، مصر يتعين عليها أن تشجع التفكير النقدي في الجيل الشاب لكي توظف طاقاتهم. إن ‬35٪ من سكان مصر هم في الرابعة عشرة من أعمارهم أو أقل، وإذا استثمرنا في هذه الشريحة فإننا سوف نوجد قوة عمل قادرة يمكنها أن تغير مصر حقا.

هذه الفرصة لا ينبغي أن تضيع، وفي الستينات قامت مصر بمساعدة الاتحاد السوفييتي السابق ببناء السد العالي، وهو مشروع وطني مهم قام بتوليد مقادير هائلة من الطاقة للتنمية الاقتصادية في مصر، والشباب، من خلال ثورتهم السلمية، ولدوا طاقة على المستوى نفسه للتنمية البشرية في مصر، والتعليم هو أفضل وسيلة لنقل هذه الطاقة. إن مصر هي قلب العالم العربي ونبض هذا القلب يتم الإحساس به في جميع الدول العربية الأخرى. ومن المهم أكثر من أي وقت مضى أن نقوم جميعا بمساندة الحرية في الشرق الأوسط، والحفاظ عليها