خالد الجابر

حاولوا أن يخرجوا جثة الفيل الكبير من البيت الصغير بعد أن تعفن وانتشرت رائحته النتنة، عن طريق دفنه فى عمود صغير فى الجريدة وكتبوا على شاهد القبر فى عمود الرأى (اعتذار للشعب)، أما فى العالم الافتراضى على موقعهم فى الانترنت فاختاروا له عنوانا اخر (من أجل الشعب)، وهو الأسلوب المشابه الذى استخدموه فى اللعب بالصورة التى تمت فبركتها ليظهر الرئيس وهو يسير أمام الرئيس الأمريكى اوباما لا خلفه كما ظهر فى الصورة الأصل ونشرتها وسائل الإعلام العالمية؟! اعتذرت الأهرام اعرق مؤسسة صحفية عربية عن العمى الذى أصابها فى اندالع ثورة شباب rlm;25rlm; يناير تحت ستار فقدان الرؤية والبصيرة والاتزان! اعتذرت الأهرام عن كل انحياز للنظام الفاسدrlm;،rlm; وعهدت بأن تنحاز دوما من اليوم وصاعدا إلى مطالب الشعب المشروعةrlm;،rlm; وأن تظل ضمير هذه الأمة. وفى الختام طالبت أن يصفح عنها أسر الشهداء؟! وبينما تجرأت أقدم الصحف وأشهرها إلى الاعتذار ولو بطريقة مخجلة، إلا أن العشرات بل مئات من الصحف العربية والمحطات الإذاعية والقنوات الفضائية من دول الخليج إلى اليمن وبلاد الشام إلى المغرب العربى والسودان وصولا إلى الجزائر وموريتانيا لم تخجل بعد وتعتذر لا للشعب ولا حتى لنفسها، على الكذب المتواصل والنفاق المستمر وغسل الأدمغة والبروباجندا الذى تمارسه يوميا لخدمة اشد الأنظمة قمعا وتسلطا للفكر والرأى وحقوق الإنسان فى العالم العربي؟!
التحولات الجديدة التى صنعتها ثورة الإعلام الجديد فى المساهمة فى صناعة التغيير فى العالم العربى من خلال انتفاضة الشباب فى تونس ومصر، جعل الإعلام التقليدى الملحق بأجهزة السلطة الشمولية العربية يعيش مرحلة صعبة وحرجة لا يحسد عليها، وهى قد تعصف به وتعجل فى القضاء عليه دون سابق إنذار وخلال مدة زمنية قصيرة؟! لن نتناول التعليق على أزمة الإعلام السلطوى فالضرب فى الميت حرام، ويعتبر إضاعة للوقت والجهد، عوضا عن ذلك سنركز على دور الإعلام الجديد وأدواته الفعالة التغييرية التى اتضحت معالمها بعد ثورة الياسمين التونسية واللوتس المصرية. دراسة الإعلام الاجتماعى فى العالم العربى الأخيرة صادرة عن كلية دبى (2011)، اشارت إلى أن مواقع التواصل الاجتماعى مثل laquo;فيس بوكraquo; (Facebook) وlaquo;تويترraquo; (Twitter)، ستواصل لعب دورها المهم فى تنظيم الحراك الاجتماعى والمدنى فى العالم العربي، بخاصة لدى شريحة الشباب. وبينت الدراسة أن نمو استخدام مواقع التواصل الاجتماعى فى العالم العربى بلغ بنسبة 78 ٪ خلال العام الماضي. وكشفت أن laquo;تنامى العدد الإجمالى لمستخدمى موقع laquo;فيس بوكraquo; فى العالم العربى بنسبة من 11،9 مليون مستخدم فى يناير 2010 إلى 21،3 مليون فى ديسمبر من العام نفسهraquo;. وذكرت أن الشباب يمثلون 75 بالمائة من مستخدمى laquo;فيسبوكraquo; فى الدول العربية. وجاءت دولة الإمارات فى المرتبة الأولى بين دول العالم العربى من حيث استخدام laquo;فيس بوكraquo;، حيث يمتلك 45 بالمائة من سكانها حسابات على الموقع. كما سيطرت منطقة الخليج العربى السعودية والكويت، البحرين، عمان، وقطر على المواقع الخمسة الأولى فى العالم العربى فيما يخص مستخدمى موقع فيس بوك قياساً إلى عدد سكانها وكان لبنان الاستثناء العربى الوحيد.
لقد بينت الأحداث التى شهدتها كل من تونس ومصر دليلا واضحا على قوة وسائل التواصل الاجتماعى فى تنظيم الحركات الاجتماعية فى العالم. واستطاعت هذه المواقع الوصول إلى شريحة جماهيرية واسعة من الشباب فى عدد من بلدان العالم العربي، فهناك ما يقارب 225 مليوناً من العرب تحت سن الثلاثين. وفى خلال الأحداث الأخيرة التى شهدتها مصر منذ 25 يناير الماضى برز دور الذى لعبه موقع laquo;فيس بوكraquo; على سطح الأحداث، إذ انه كان إحدى أدوات الاتصال الرئيسية بين المتظاهرين، مع موقع laquo;تويترraquo;.. حيث استخدموه لبث دعواتهم للتظاهر، إضافة إلى التنسيق بين المجموعات وتحديد أماكن بداية الفعاليات. وعلى محور مواز، عمل موقع laquo;فيس بوكraquo; كواجهة إعلامية بديلة، يتابع من خلالها الشباب كل ما يحدث من تطورات على ساحة الأحداث، بعد أن فقد هؤلاء الشباب ثقتهم فى مصداقية الإعلام الرسمي، الذى كان ينقل صورة laquo;حكوميةraquo; مخففة للأحداث أو للإعلام الفضائى الخاص. لقد قامت العديد من القنوات والمواقع الإخبارية ووكالات الأنباء والمحطات التلفزيونية الإخبارية العربية والعالمية بنقل معلوماتها من المواقع الاجتماعية كما جاء فى تقرير صحيفة الشرق الأوسط. الكاتبة اريانا هفنغتون ورئيسة تحرير الهفنغتون بوست تؤمن أن الحال تغيير فى العالم العربي، فهناك أثر كبير للتكنولوجيا والشبكات الاجتماعية فى تعزيز ثقافة السلام فى الشرق الأوسط بعد أن كان يستغلها الإرهابيون لتنفيذ أجندتهم السياسية والفكرية المتطرفة.
الإعلام الفضائى الإخبارى العربى تعلم الدرس جيدا واتخذ موقفا مساندا لنبض الشارع، وابتعد بشكل قطعى عن الوقوع فى مستنقع الوحل الذى يعيش فيه الإعلام السلطوى الخاضع للأنظمة الاستبدادية. وهو بدوره قام بتفعيل دور الإعلام الاجتماعى وصحافة المواطن من خلال إنشاء مواقع افتراضية له على الشبكة الاجتماعية وفى الأزمة الأخيرة استحداث صفحات على موقعه الخاص وفى نشراته الإخبارية ينقل الصور والفيديوهات التى تم أخذها من مواقع الأحداث مباشرة. محطة الجزيرة كانت الرائدة فى الحدث من خلال خدمة (شارك) التى نقلت شهادات حية من أرض الواقع من خلال تفعيل الكثير من الخدمات التفاعلية من استقبال المكالمات المباشرة الحية من موقع الأحداث، ورسائل الهاتف الجوال وكاميرا الفيديو التابع له، وتفعيل أدوات المواقع عبر الشبكات الاجتماعية كالفيس بوك وتويتر واليوتيوب. وهو ما ساعدها أن تكمل تغطيتها رغم إيقاف البث على القمر الصناعي، وإقفال مكتبها، ومنع مراسليها من العمل وحجزهم فى السجون. قناة العربية أطلقت خدمة quot;أنا أرىquot; التى واختصت باستقبال وعرض الفيديوهات التى يرسلها القراء، وانهالت الفيديوهات بالآلاف، حيث بلغ عدد ما وصل من فيديوهات ما يقارب 6000 آلاف حسب موقع quot; العربية.نتquot;. قناة البى بى سى العربية من لندن (BBC Arabic)، والقناة الفرنسية (France24)، عرضتا برامج حية تتناول صوراً ونصوصاً وأشرطة فيديو وتسجيلات أرسلها مراقبون هواة وتم التأكد من صحتها وترجمتها من قبل صحفيى القناة بالغة الانجليزية والفرنسية والعربية. وربما أجمل كلمة عبرت عن مدى قوة التغطية وتأثيرها فى الجماهير جاءت على لسان سيف الإسلام القذافى فى قوله quot;لن تضحك علينا العربية والجزيرة والبى بى سيquot; كما هاجم موقع الفيس بوك بالاسم!
أكثر الأحداث سخرية فى المشهد هى الحالة المغايرة التى خلقتها ثورة الإعلام الجديد وساعدت فى تحطيم وسائل الإعلام ورموزها التابعين لسياسة الأنظمة العربية الاستبدادية الشمولية التولتارية، وهى استطاعتquot; أن تخدع بعض الناس بعض الوقت، لكنها لن تستطيع أن تخدعهم طوال الوقتquot;، والتى كانت تعيش فى عالم آخر (ارضى) غير عالمنا (الفضائي)، وحاولت بكل أدواتها ورموزها من قبيل السخرية والتهكم والهجوم فى الوقوف فى وجه التغيير وكسر إرادته والتقليل من حجم التأثير والانتشار والفعل الذى تقوم به وسائل الإعلام الجديدة، واضطرت فى النهاية لان ترضخ وتستسلم لكنها فى تقديرى لم تفهم وتستوعب الدرس بعد؟! لقد عادت بى الذاكرة إلى حادثة مشابهة عندما زار الرئيس المصرى السابق محطة الجزيرة فى الدوحة وقال معلقا على مبنى الجزيرة الصغير المتواضع جدا حينها بسخرية لاذعة quot;كل ده يطلع من علبة الكبريت دي؟ مقارنة بحجم مبنى الإذاعة والتلفزيون المصرى الرسمي! وتدور العجلة بعدها بما يتجاوز العقد من الزمن، لتقوم quot;أعواد الثقابquot; التى اشتعلت من تغطية quot;علبة الكبريتquot; لتحرق نظام مبارك ووسائل الإعلام الموالية للأنظمة الديكتاتورية فى العالم العربي؟!.