هدى الحسيني

ليست مظاهرات التحدي التي ستستمر رغم القمع الدموي، وحدها التي تهز النظام الإيراني، إنما هناك مسألة حساسة أخرى يحاول النظام جاهدا طمسها وإخفاءها، لكنها بدأت تطفو بقوة على سطح الأحداث الإيرانية.

ففي الحادي عشر من الشهر الجاري انفجرت ثلاثة أنابيب غاز في مدينة سلفشيغان الواقعة على بعد 30 كلم جنوب مدينة قم. وشعر عشرات الآلاف من الإيرانيين بقوة ذلك الانفجار، ونجح بعضهم في تصويره وتسريبه عبر laquo;يوتيوبraquo;.

اللافت أن وكالة laquo;مهرraquo; للأنباء أشارت إلى حدوث انفجارات في وقت واحد في ثلاثة أنابيب غاز، بينما ذكرت laquo;وكالة الطلبة الإيرانيينraquo; حدوث انفجار واحد. وبدأ الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد، إثر وقوع الانفجارات، عملية إخفاء الأدلة، وأعطى تعليمات إلى فريقه بهذا الشأن وهي تشير إلى الفشل المنهجي المستمر في أداء حكومته، لأن الأدلة تجرّم مجموعات laquo;الحرس الثوريraquo; المقربة منه، وبطريقة غير مباشرة تجرمه كرئيس للجمهورية.

هذه الأدلة تشير إلى الإهمال المستمر للبنى التحتية المدنية في إيران، خصوصا تلك المتعلقة بمسألة الغاز، والتي هي نتيجة للسياسة التي يعتمدها laquo;الحرس الثوري الإيرانيraquo; وتتضمن هذه السياسة سحب مبالغ ضخمة مخصصة لإعادة تأهيل وصيانة وتطوير البنى التحتية المدنية، لمصلحة laquo;الحرس الثوريraquo; وتقويته على الساحة المحلية، ولنشاط laquo;قوات القدسraquo; على الساحة الدولية.

حسب مصدر إيراني واسع الاطلاع، أبدى أحمدي نجاد أمام مستشاريه قلقه لجهة استمرار بقاء نظامه بعد الانفجارات، وخصوصا على ضوء ما جرى في تونس ومصر، ولمح إلى أن انكشاف عجز حكومته في هذه المسألة، سيؤدي إلى موجة كبرى من المظاهرات، وأنه بالتالي من المشكوك فيه، قدرة النظام على التعامل معها بعدما كان بنى استراتيجيته على قمع المعارضة إلى غير رجعة. قال خلال لقائه مع مستشاريه، إنه من حسن الحظ أن الانفجارات لم توقع ضحايا إنما laquo;لهذا الفشل احتمالات مدمرة لا سيما أن العالم العربي في حالة ثورة، ويتطلع الشعب الإيراني إلى الانضمام إلى هذه الموجة بقصد النجاح في قلب نظام الحكمraquo;.

تضمنت تعليمات أحمدي نجاد إخفاء الكثير من الوثائق وإتلاف الكثير من الملفات، ومنها وثائق فيها نداءات متكررة من محافظي عدة مدن إيرانية، بينهم محافظا قم وأصفهان، موجهة إلى وزير النفط مجيد نمجو، تحذر من تداعي وضع أنابيب الغاز في مدنهم.

وأكد المصدر الواسع الاطلاع على أن وزير الطاقة تلقى laquo;أوامر مباشرةraquo; من أحمدي نجاد بعدم التجاوب مع هذه النداءات laquo;بسبب الالتزامات الوطنية للجمهورية الإسلامية، المرتبطة مباشرة بأمن وبقاء الجمهوريةraquo;.

يذكر أن وزير النفط خدم في صفوف laquo;الحرس الثوريraquo; كقائد لفيلق laquo;خاتم الأنبياءraquo;، ذراع البناء والهندسة في laquo;الحرس الثوريraquo; والذي يملك بعض شركات الغاز في إيران ومنوط به أيضا بناء ومد أنابيب الغاز.

ويكشف المصدر الإيراني، أن واحدا من هذه النداءات أرسله محافظ أصفهان علي رضا ضاهر الأصفهاني، جاء فيه التالي: laquo;أعتقد أنه من الواجب تحذير وزير النفط ماجيد نمجو من مغبة الإهمال المستمر لأنابيب الغاز في أصفهان. لذلك من المحتم زيادة ميزانية تأهيل البنى التحتية للغاز في المدينة بأسرع وقت ممكن، ويجب طرح هذا الأمر على المجلس (البرلمان) لاتخاذ القرارraquo;.

الوثائق التي أمر أحمدي نجاد بإخفائها تشير أيضا، إلى أن مفتش الدولة بور محمدي، رئيس منظمة المراقبة في إيران حذر بدوره القيادة الإيرانية من أن صيانة البنى التحتية للطاقة في البلاد، سيئة جدا، وقال محمدي إن فيلق laquo;خاتم الأنبياءraquo; ليست لديه الخبرة الضرورية، ولا يملك التكنولوجيا المطلوبة للحفاظ على البنى التحتية الإيرانية للطاقة، وهذا ما أدى إلى حالتها المتدهورة.

في الفترة الأخيرة، وبناء على توصية أحمدي نجاد، وافق مكتب المرشد الأعلى للثورة الإسلامية آية الله علي خامنئي على خطوة لا سابقة لها، تتضمن زيادة موازنة laquo;الحرس الثوريraquo; الإيراني بمقدار 4.5 مليار دولار، على حساب البنى التحتية المدنية بما فيها الكهرباء والغاز، وشق الطرقات والمياه. ومما قام أحمدي نجاد بإخفائه أيضا مبلغ 1.5 مليار دولار كان مخصصا للتطوير وصيانة وإعادة تأهيل البنى التحتية لحقول الغاز، وقد أمر هو بتحويله لـlaquo;الحرس الثوريraquo;.

وحسب المصدر فإن هذا المبلغ كان الغرض من صرفه صيانة أنابيب الغاز، والتصليح الدوري للصمامات، وتطوير القدرات البشرية لمراقبة الأنابيب، وإقامة نظام تنبيه من التسرب الخطير الذي عندما يحدث، لا يتم إصلاحه حسب الأصول.

إن أغلب شركات الغاز في إيران مملوكة من laquo;الحرس الثوريraquo;، وهذا يفسر الإهمال المستمر لهذه المنشآت بسبب الحاجة لتقوية صلاحيات وسلطات الحرس. ويقول محدثي، إن تقوية الحرس تشمل الباسيج وأجهزة مخابراته وذلك من أجل منع المظاهرات والقلاقل في الجمهورية الإسلامية، وتوطيد أنشطة laquo;قوات القدسraquo; على الساحة الدولية وخصوصا في أفريقيا، وأميركا الجنوبية ولبنان وغزة.

عملية نقل حيّز كبير من الإشراف واستثمار الغاز الإيراني إلى laquo;الحرس الثوريraquo;، وهي تزايدت في السنتين الأخيرتين، وكانت نتيجتها حصول الحرس على مشاريع بمليارات الدولارات، استمرت رغم أن laquo;الحرس الثوريraquo; لا يملك القدرات التشغيلية والمهنية، ولا التجربة أو التكنولوجيا لإدارة الصيانة الروتينية لمنشآت الطاقة على الأقل.

وللعلم، فإن شركات الغاز والتنقيب المرتبطة بـlaquo;الحرس الثوريraquo; هي: laquo;شركة فارس للنفط والغازraquo; وهي مسؤولة عن حقل غاز جنوب فارس، laquo;سيبانيرraquo; شركة الطاقة الرئيسية للحرس يملكها فيلق laquo;خاتم الأنبياءraquo;، وتتعاطى بمشاريع الغاز ومسؤولة عن تطوير بعض المراحل في حقل غاز جنوب فارس، laquo;سيرة فتحraquo;، شركة طاقة مملوكة من فيلق laquo;خاتم الأنبياءraquo; وتتكفل بتطوير حقل غاز جنوب فارس، laquo;سادراraquo; وتتناول الحفر في البحر في حقول الغاز والنفط، laquo;بتروبارسraquo; المسؤولة عن تطوير عدد من حقول الغاز، laquo;زاغروسraquo; شركة غاز ونفط، كما أن فيلق laquo;خاتم الأنبياءraquo; مكلف أيضا بمد أنابيب الغاز.

يقول محدثي، إنه بعد وقوع الانفجارات الثلاثة في أنابيب الغاز، يشعر النظام الإيراني بأن تكرار مثل هذه الانفجارات قد يتطور أكثر ويؤدي إلى مظاهرات أضخم تهدد استقراره. والتخوف الأكبر، أن هذه الانفجارات والإهمال اللاحق بالبنى التحتية لقطاع الطاقة، عندما ينكشف العمق الذي وصل إليه، وينقطع وصول الغاز إلى العديد من المدن، سيكون laquo;القشة التي قصمت ظهر البعيرraquo;.