عبدالله بن حمد العذبة
لم أنم قبل أن أرى وأسمع في الفضائية الليبية حديث المهندس سيف الإسلام بن معمر القذافي الذي يصفه الساسة الغربيون بأنه رجل الإصلاح القادم، والذي سيحدث تغييرا حقيقياً في ليبيا يحقق تطلعات شعبها، كيف لا؟ وهو من هو!، أليس المهندس سيف ابن قائد الثورات ومحرر الشعوب والذي وصفه نفسه بإمام المسلمين وملك ملوك إفريقيا صاحب الكتاب الأخضر؟
تحدث سيف القذافي مشهراً سيفه تارة وملوحاً بالجزرة والوعود الجميلة تارة أخرى للشعب الليبي وللحكومات الغربية، مفاد ما قاله ابن قائد الثورات ومحرر الشعوب، اخضعوا لي أيها الليبيون وإلا سالت الدماء لتصل الركب لتتمكن أجسادكم من السباحة فيها. من جهة أخرى يهددهم بوقف تدفق البترول الذي يدر الدولار المقدس على الشركات الغربية وبالأخص الإيطالية والبريطانية منها.
كان سيف الإسلام يقول أبي يختلف عن شين الهاربين وعن مبارك ولن يهرب كما فعلا، وسيبقى أبي لأنه قائد غير تقليدي للشعب الليبي، وفي الآن ذاته قال إن والده إمام المسلمين سيخوض المعركة ضد الشعب الليبي المسلم حتى آخر طلقة وبكل أنواع الأسلحة التي صنعت في بريطانيا وإيطاليا وغيرها من بلدان العالم، محذراً من أن تضحك الجزيرة على ليبيا.
ما لم يصدمني هو ما دار في قلاع وأروقة الحكم الديمقراطي الغربي التي ترفع شعار المدافعة عن حقوق الإنسان، إذ قال برلسكوني أمام برلمان شعبه لمنتقديه بسبب جريمة السكوت على ما يحدث في ليبيا quot;لا أريد إزعاج القذافيquot;، طبعاً لا نستطيع إغفال المصالح التجارية بين إيطاليا والقذافي التي أغدقت وستغدق على الشركات الإيطالية التي تعمل في حقول النفط أموالاً تشرعن سكوت حكومة إيطاليا عن برك الدم التي تصنعها ميليشيات القذافي بأسلحة مصنوعة في الغرب يستخدمها المرتزقة لقتل الليبيين.
أما الموقف البريطاني فاتسم بالصرامة التي أظهرتها حكومة كاميرون بمنع تصدير أسلحة مكافحة الشغب إلى القذافي وكأن نظامه يستعملها أصلا، ولا يستخدم الطائرات لقصف أبناء ليبيا.
الموقف الأكثر وقاحة وغير الإنساني هو موقف الإدارة الأميركية التي قالت إنها تراجع حديث ابن القذافي الذي قد يحمل في طياته بوادر للإصلاح، سيما وأن شركاتها تريد الوصول إلى منابع نفط القذافي هناك لأن البترول أغلى عندها من عظام الليبيين المتفحمة جراء قصف الطائرات الحربية لشعب أعزل مسالم، الحكومة الأميركية أقامت الدنيا ولم تقعدها في قضية طائرة بان أميركان في لوكيربي، فما أبشع البراجماتية.
ألا تخجل حكومات الغرب وهي ترى الكثير من مواطنيها يناصرون حقوق الإنسان في ليبيا، بينما تصر هذه الحكومات النفعية على أن تكون براجماتية وليبرالية اقتصادية مهما كان الثمن غالياً لتنتج شركاتها البترول في ليبيا على أشلاء الأبرياء الذين وصل عددهم إلى أكثر من مئات القتلى وآلاف الجرحى نتيجة للقصف الجوي الذي يظهر بجلاء جنون العظمة والنرجسية؟
وكم هو مخجل أكثر أن ترى من يسمون أنفسهم بالعلماء يصرخون ويزعمون أن ما يحدث في الدول العربية والإسلامية فتنة يريد من يقف خلفها القضاء على المسلمين، وكأن الحكام الشموليين الدكتاتوريين هم الإسلام نفسه والشعوب عبيد لهم.
أخشى أن نصل إلى وقت يمسي فيه بعض من يصفون أنفسهم بالعلماء إلى عصر مشابه للعصور الوسطى في أوروبا فتراهم مسبحين بحمد الحكام مستغلين quot;درء المفاسد مقدم على جلب المصالحquot; كتبرير لبقاء هؤلاء الحكام الظلمة؟ مع احترامنا وتقديرنا الكبير للعلماء الربانيين الصادقين الذين نددوا بمجازر القذافي غير الإنسانية في ليبيا.
أتمنى أن تستنكر الحكومات العربية ما يحدث وتستدعي السفراء الليبيين لاستنكار ما يحدث في ليبيا الآن.
أخيراً وليس آخراً، هناك حكومات عربية تعتقد أنها بمنأى عما يحدث في ليبيا ومصر، ولكن عليها أن تبادر وتؤدي إلى إصلاحات حقيقية لأن شعوبها أيضاً تنشد الديمقراطية والمساواة في الحقوق والواجبات دون تمييز ليشعروا بمواطنتهم وأنهم ليسوا مجرد رقم على الهامش.
والله من وراء القصد؛؛؛
التعليقات