صالح القلاب

تهديد سيف الإسلام نجل العقيد القذافي بأنه: 'إما الحوار وإما الحرب الأهلية' يدل على أن الأوضاع في الجماهيرية الليبية وصلت إلى نقطة اللاعودة، وأن الكي الذي هو آخر الدواء لم يعد ينفع، وأن ما حصل في تونس وفي مصر سيكون نزهة مقارنة بما غدا في حكم المؤكد أنه سيحصل في ليبيا، والأخطر هنا هو أن يبقى 'الأخ قائد الثورة' يتمسك بما أعلنه نجله فتتشظى هذه الدولة المترامية الأطراف، والتي ستحتاج لملمتها بعد ذلك ربما إلى قرن كامل.

'من مأمنه يؤتى الحذر' وحقيقة, وخلافاً للانطباع الذي كان سائداً, ان ردّ فعل 'الأخ قائد الثورة', التي مضى عليها أكثر من أربعين عاماً ولاتزال ثورة!, لدى سقوط زين العابدين بن علي وبعد ذلك سقوط حسني مبارك قد أظهر أن القذافي كان حذراً لكنه كان يخشى من أن تهب عليه الرياح العاتية من المناطق التي كان يعتقد أنه دفن تطلعاتها التغييرية إلى الأبد، ومن بينها طرابلس الغرب بعد بنغازي.

لم يعد هناك مجال للعناد والمعاندة، فليبيا العزيزة دخلت حلقة النيران، والعناد في مثل هذه الحالة يعني الدمار ويعني انهيار وحدة هذا البلد الذي كان مضرب المثل في التضحية والفداء عندما أطلق عمر المختار, الذي كان أحد عظماء القرن العشرين, ثورته الباسلة ضد الاستعمار الإيطالي البغيض، ويقيناً انه من الأفضل لـ'الأخ قائد الثورة' أن يستجيب لأصوات أبناء شعبه، وألا يبقى يردد مقولة إنه زعيم ثورة لا رئيس دولة التي لم تكن مقنعة لأي كان، وربما انها أحد أسباب كل هذا العنف الذي تفجر في كل مكان.

لقد أكلت هذه 'الثورة', التي أطاحت بإدريس السنوسي بحمولة سيارة عسكرية صغيرة توجهت إلى إذاعة طرابلس وأنهت الأمر في دقائق, أبناءها وكان أول ضحاياها عمر المحيشي الذي جرى التخلص منه بطريقة مأساوية، ثم تبعه عبدالسلام جلود الذي لا يعرف الليبيون أين هو الآن وما حقيقة إقصائه ورَكْنه بعيداً عن الأضواء كل هذه السنوات الطويلة، ولقد انتهت هذه الثورة إلى أن أصبحت عبئاً على نفسها، وعلى الشعب الليبي الذي كان مؤهلاً لأن يجعل بلده أجمل بلدٍ في العالم لو أنه لم يبتل بهذه التجربة التي اتخذت هيئة 'كاريكاتورية' مضحكة.

الآن حلّت وحانت لحظة الحقيقة، والآن لم يعد ينفع الندم، كما أنه لا يفيد العناد على غرار ما قاله نجل القذافي الذي لو كان متابعاً لهذه الأحداث التي تضرب المنطقة لما تحدث بهذه الطريقة الاستفزازية ولتعلم من ولي عهد البحرين, الذي واجه تحركات جزءٍ من أبناء شعبه بوجه سموح وبإطلالة جميلة وبكلام تصالحي هادئ, ولأدرك أن زمن العنجهية قد ولّى ولن يعود، وأن الجماهيرية الثانية التي وعد بها متأخراً لن تكون، فقد 'فات الفوت' وعجلة التاريخ لا يمكن إعادتها إلى الوراء.

إن ما يجري في ليبيا خطير جداً، وهذا العنف الذي يستخدم سيولد عنفاً مضاداً، ومن الأفضل لأي حاكمٍ أن يستجيب لأصوات شعبه وأن يغادر مواقع المسؤولية في اللحظة المناسبة... إذْ ليس أسوأ من أن يركب حاكم رأسه وأن يخضع لنزوات أولاده ونزوات المنتفعين من حكمه، ويبقى يتشبث بالحكم على حساب وحدة بلاده وبثمنٍ غالٍ هو دماء الألوف من أبناء شعب من المفترض أنه شعبه... واللهم احمِ ليبيا.