عواصم

كانت الأحداث الأخيرة في العالم العربي، وفي مصر وتونس على وجه الخصوص، مفاجئة لكثيرين، في طبيعتها، ونوعيتها المتحضرة، وسرعة وتيرتها وقوة تأثيرها .

وقد حملت هذه الأحداث كثيراً من المراقبين في الغرب على استخلاص الدروس، وتعديل الأفكار والافتراضات والنظريات .

ولكن هذا لا ينفي أن البعض قد يتعلم دروساً خاطئة . فالتعلم في نهاية الأمر، يعتمد على ذكاء المتعلم، وقدرته على الاستيعاب، وعلى إخلاص النية في التعلم .

في صحيفة ldquo;نيويورك تايمزrdquo;، (12/2/2011)، يأخذ نيكولاس كريستوف على الولايات المتحدة تأخرها عن مواكبة الأحداث في الشرق الأوسط، وافتقارها الى المعلومات الحديثة عن حركات الشباب، واطمئنانها الى حسن سير الأمور، ما دامت تحصل على النفط، وما دامت ldquo;إسرائيلrdquo; بخير .

ويقترح على الإدارة الأمريكية أن تستخلص أربعة دروس من أخطائها:

* الدرس الأول، أن تتوقف عن معاملة الأصولية الإسلامية باعتبارها غولاً مخيفاً، وتكفّ عن السماح لذلك بأن يسيّر السياسة الخارجية الأمريكية . فقد كان الضرر الذي نجم عن الارتياب الأمريكي في الأصولية الإسلامية، لا يقل عن الأذى الذي نجم عن تلك الأصولية ذاتها .

ويضيف: إننا نخطئ إذ نتصرف وكأن الديمقراطية ملائمة للولايات المتحدة وrdquo;إسرائيلrdquo;، وغير ملائمة للعالم العربي . وقد ظللنا لفترة طويلة نعامل العالم العربي، باعتباره حقل نفط وحسب .

* الدرس الثاني، كما يقول الكاتب، هو أن الولايات المتحدة بحاجة الى معلومات استخباراتية أفضل، لا من النوع الذي يُستنبَط من التنصت على مكالمات هاتفية يُجريها رئيس احدى الدول مع معشوقته، بل من الاختلاط مع الناس العاديين الذين لا حول لهم ولا قوة .

* الدرس الثالث، أن التقنيات الحديثة، سهلت حدوث التمرد . فقد يسّرتْ مواقع مثل فيسبوك وتويتر، على المحتجين القيام بالاتصال والتنظيم . ويعني وجود الهواتف المتحركة، أن وحشية الحكومات، لا بُدّ أن تظهر على موقع يو تيوب، مما يرفع تكلفة القمع . . . ولعل التلفاز أشد تلك التقنيات خطراً . ويقول الكاتب: ينبغي علينا ان نزيد الاستثمار في تلك التقنيات .

* الدرس الرابع، هو أن تطبق الولايات المتحدة القيم التي تؤمن بها . يقول الكاتب: لقد مارسنا سياسة شرق أوسطية عقيمة . وكانت كوندوليزا رايس على حق عندما قالت في مصر سنة 2005: ldquo;على مدى 60 عاماً، سعت بلادي، الولايات المتحدة، الى تحقيق الاستقرار على حساب الديمقراطية في الشرق الأوسط، ولكنها لم تحققْ أياً منهماrdquo; .

في موقع ldquo;ديلي ريكوننغrdquo;، (15/2/2011) كتب تشارلس كادْليك . . .

ldquo;هنالك العديد من الدروس الحيوية التي تغاضى عنها الشعبُ الأمريكي . .

الدرس الأول، هو أن الفكرة التي تقول إن الولايات المتحدة تستطيع أن تمارس سياسة نقدية مستقلة، ما هي إلاّ وهم خادع وخطر . .

ويرى الكاتب أن السياسات النقدية الأمريكية، تترك انعكاسات خطيرة على الدول التي يرتبط اقتصادها بالاقتصاد الأمريكي، وترفع أسعار السلع فيها، مما يثير سخط شعوبها ضد الولايات المتحدة . .

الدرس الثاني، هو أن مَن يعملون في الحكومة الأمريكية لم يعودوا أقدر من الناس العاديين على توقع المستقبل ضمن نطاق مسؤوليتهم المباشر . فقد عجزت أجهزة الاستخبارات الأمريكية، عن توقع حدوث الأزمة في مصر .

وفي مجلة ldquo;ذي بروسبِكتrdquo;، (15/2/2011)، كتب ماثيو غليسياس، وهو محرر في مركز أبحاث ldquo;صندوق العمل من أجل التقدم الأمريكيrdquo; . . بصرف النظر عمّا ستتمخض عنه الأمور في مصر، فإن الثورة الناشئة التي اندلعت هناك على مدى الأسابيع الماضية، تذكّر بأمر ينبغي أن يكون واضحاً منذ البداية، وهو أن الوضع السياسي الراهن في الشرق الأوسط، ليس مستداماً ولا يمكن الحفاظ عليه .

ويضيف: ldquo;ليست مصر البلد الوحيد في المنطقة، ذا الحكومة التي لا تتمتع بالشعبية، وتحظى بدعم الولايات المتحدة في الوقت ذاته . . والعيب الأول في نهج السياسة الخارجية الأمريكية إزاء هذه الحكومات،هو أنك لا تستطيع الاعتماد على بقاء الأنظمة غير المحبوبة في الحكم الى الأبد . والعيب الثاني، أنه كلما طال تواطؤ الحكومة الأمريكية مع مَن يسطون على مقدرات شعوبهم، كلما ازداد السخط الشعبي على الولايات المتحدة عنفاً وشراسةrdquo; . ويختم بالقول، ldquo;إن تيارات السخط في المنطقة سوف تتواصل . . فإذا كنّا أذكياء فعلاً، فلن ننسى هذه المرة، أن الوقت الحالي، هو الأنسب لكي ننتقل الى الجانب الصحيح من التاريخrdquo; .

وفي موقع ldquo;هفنغتون بوست الإخباريrdquo; (17/2/2011)، كتب مدير الدراسات الدينية في جامعة أوكلاهوما، تشارلس كيمبل: مع انخراط المحللين في التأمل واستعراض التأثير الحقيقي والمحتمل لموجات التسونامي الثوري في مصر، من الجوهري لنا في الولايات المتحدة أن نتعلم دروساً قيمة من هذه اللحظة الموحية . وأحد تلك الدروس، هو بُطلان نظرية ldquo;صدام الحضاراتrdquo; .

فعلى مدى عقدين من الزمن، ظل الساسة، والنقاد، والوعّاظ، وبعض الأكاديميين يفسرون الصراع العالمي العنيف على أنه دليل على ldquo;صدام الحضاراتrdquo; . وقد سمعنا هذه اللازمة، تتكرر مرات لا حصر لها، الى درجة أن العديد من الناس يفترضون أنها تفسّر على نحو ما التفاعل الديناميكي بين ldquo;الغربrdquo; وبين الشرق الأوسط والثقافات الإسلامية .

وقد عزّز أحدُ الأسئلة التي كثيراً ما ترددت منذ 11/9- وهو ldquo;لماذا يكرهونناrdquo;- هذا الإطارَ التبسيطي في فهم الأمور، والمضلل على نحو خطير . فكم من مرة سمعنا أناساً أذكياء في الظاهر يجيبون عن السؤال بالقول ldquo;إنهم يكرهون حريتنا . ويكرهون أسلوبنا في الحياةrdquo;؟

إن سؤال ldquo;لماذا يكرهونناrdquo;، مثلما نظرية ldquo;صدام الحضاراتrdquo;، يفترض مسبقاً وجود ldquo;ناrdquo; و ldquo;هُمrdquo;، وأن كلاًّ من ldquo;الغربrdquo; وrdquo;العالم الإسلاميrdquo; يشكل كياناً متجانساً وموحداً في خصائصه وصفاته . والحقيقة هي أنهما ليسا كذلك . .

ويقول الكاتب، نستطيع أن نرى الآن بوضوح، أن القيم والتطلعات التي جازف مئات الألوف من المصريين بحياتهم في سبيلها- مثل حرية التعبير، حقوق الإنسان الأساسية، المشاركة في الحكم، الفرص الاقتصادية، وإنهاء الفساد المنظم- هي قيم يُعزّها ويحرص عليها معظم الناس في الولايات المتحدة . وبدلاً من ldquo;ناrdquo; وrdquo;همrdquo;، بات الآن واضحاً، كبر حجم ما نشترك فيه معاً . .

إن العديد من الخبراء والوُعّاظ يعززون ldquo;الاسلاموفوبياrdquo; بادعاء أن رغائب المسلمين المؤمنين تقتضي منهم أن يحوّلوا المسيحيين واليهود عن دينهم، أو يقتلوهم ويقيموا خلافة جديدة يستطيع المسلمون في ظلها أن يحكموا العالم . . . أمّا حقيقة الأمر فهي أن ما تسعى اليه غالبية المسلمين في أنحاء العالم، هو تحسين ظروف

حياتها، وحياة عائلاتها وجيرانها ضمن نظام الدولة الوطنية القائمة .

ولا بد أن مَن شاهدوا التغطية الإخبارية 24 ساعة في اليوم و7 أيام في الأسبوع، خلال الأسابيع الثلاثة الأخيرة في مصر، قد أدركوا الحقيقة، وهم يرون المسيحيين الأقباط، ومشاركتهم الى جانب إخوانهم المسلمين . . . إذا لم يُدركوا ذلك، وهم يرون أكثر من 7 ملايين مسيحي ارثوذوكسي قبطي يعيشون في مصر، ونحو 8 ملايين مسيحي يعيشون في لبنان، وسوريا، وفلسطين والأردن . .

ويقول الكاتب: إن الأحداث في مصر، خلقت فرصة نادرة لكشف زيف الأفكار الشائعة (في الغرب)، وتعديل الافتراضات المضللة، وتبديد الصور النمطية المبالغ فيها . وفي وسعنا الآن، ويجب علينا، أن ننبذ حكاية ldquo;صدام الحضاراتrdquo;، ونكف عن افتراض أن سؤال: ldquo;لماذا يكرهونناrdquo;، سؤال جوهري . أمّا (ألان ديرشوفتز)، الأستاذ في كلية القانون بجامعة هارفارد، والمعروف بتعصبه الأعمى للكيان الصهيوني . . فكان الدرس الذي تعلمه، كما كتب في موقع هفنغتون بوست، (4/2/2011)، هو أن هنالك ديمقراطية واحدة يمكن للولايات المتحدة أن تركن الى أنها ستظل حليفاً قوياً على الدوام . . . وتلك هي ldquo;إسرائيلrdquo; .