سعود الريس


أشعر بقلق عظيم لا على الشعوب العربية ولا على أنظمتها الحاكمة، بل على ثلاثة، الأول: هي وزيرة خارجية الحكومة الأميركية هيلاري كلينتون، والثاني: باراك أوباما، والثالث: يوسف الأحمد، فهؤلاء الثلاثة منذ اندلاع الاحتجاجات في تونس وحتى البحرين، مروراً بالجزائر واليمن وليبيا، يراقبون الأوضاع بقلق، ولكم أن تعلموا كم هي المراقبة مرهقة، وقيل فيها من laquo;من راقب الناس مات هماًraquo;، لذلك أخشى عليهم وعلى قلوبهم laquo;المرهفةraquo;، ومشاعرهم من أن تتأثر، لكثرة ما يراقبون، ما قد يصيبهم بأزمات قلبية وعقلية، تدفع إلى الهلوسة التي ظهرت آثارها سريعاً، على يوسف الأحمد. فقد قفز علينا ndash; جزاه الله خيراً ndash; على شاشات الكومبيوتر، تضامناً مع شباب laquo;فيسبوكraquo; وليس laquo;الرائيraquo; (التلفزيون شرعاً)، ولهذه دلالات عدة، فهو أراد أن يخاطب الشباب، ويلعب في عقولهم، من خلال الطعن، بما قاله سماحة المفتي، حول التظاهر.

الأحمد، أو عزمي بشارة laquo;على غفلةraquo;، خرج يتحدث حول السياسة، فكان نسخة مصغرة من القذافي وهلوساته، ثم وجد مساحة أخرى، فتحدث كمصلح اجتماعي لشعبي مصر وتونس، وقدم لهما النصح والمشورة، فذكرني بالناصحة فوزية الدريع، وعاد أخيراً إلى البحرين، وتحدث عن laquo;مجوسيةraquo; المظاهرات، وقدم من الأفكار ما يندى له الجبين.

وحقيقة لم أجد من يشبهه، وكان من قبل ذلك طعن بمسؤولين يفوقونه قدراً وقدرة، ويحظون بالثقة والاحترام داخل المملكة وخارجها، ليتسلق على أسمائهم فسقط، وحذر من الفساد، وفي حقيقة الأمر هو من يدعو إلى الفساد، من خلال التحريض الذي ينتجه ضد البلاد، من خلال الطعن في مشاريع لا يمكنه تفكيره من استيعابها، أو الوقوف على حقيقتها.

وأخيراً سقط laquo;عراب الاختلاطraquo;، الذي أباحه، من خلال التظاهر الذي شجع عليه. وهذه حقيقة لم أفهمها، فكيف تمكن الأحمد الذي يطالب بهدم الحرم، لمنع الاختلاط، من إباحته في التظاهر؟ الأكيد أنه لم يقترح وضع laquo;بارتشنraquo;، لفصل النساء عن الرجال، وحقيقة لم أتوصل لنتيجة، فمن سمع ما قاله عن laquo;الكاشيراتraquo;، والبائعات المفترضات للملابس النسائية، ووصولاً إلى هدم الحرم، سيستغرب تلك الحماسة للتظاهر والاختلاط فيه.

هنا؛ لا بد أن أقف احتراماً لما ذهب إليه المفتي، فمحاولة الالتفاف على الشريعة والوقوف على الضفة الأخرى، لتلك الفتوى، هو دليل واضح على بعد نظره، لإدراكه أن هناك انتهازيين سيسعون إلى الاصطياد في الماء العكر، لتجييش المشاعر، وتحفيزها، لتنفيذ أجندتهم التي لا تبشر إلا بالويلات والمصائب.

ما أورده يوسف الأحمد، يعتبر على درجة كبيرة من الخطورة، وإذا كان الإعلام قد كشف التفكير المهترئ الذي يسعى لإحيائه، من خلال إشاعة الفوضى بالفتاوى، وتوظيف ذلك لخدمة تلك الأفكار الشاذة، فإنه من الضروري اليوم التحذير من التيار الذي يسعى إلى بنائه وقيادته، ما يشكل خطراً يفوق بكثير ما نشاهده اليوم عبر شاشات التلفزيون. فما يحدث في الدول العربية هو شأن داخلي، قدمت المملكة موقفها منه في حينه، وبشكل واضح وصريح، ومن دون مواربة. لكن أن يخرج علينا laquo;الراجل الذي يقف خلف فوضى الفتاوىraquo;، ويقود طلاباً يؤيدونه في تطرفه، وفي هذا الظرف تحديداً، والفوضى تعم العالم العربي، ويطعن في مسؤولين يفوقونه قدراً وقدرة مثل خالد التويجري، ويشكك في مشاريع حكومية يقف خلفها قادة هذه البلاد، ثم يؤيد التظاهر شرعاً، فأي دعوة مبطنة يطلقها سماحته؟

أخيراً، دعوني اختم بموقف تعرضت له شخصياً قبل بضع سنوات، ففيما كنت في ألمانيا الاتحادية، وأثناء سيري في إحدى الساحات، لفتني تجمع كبير، فدفعني فضول الصحافي للتوجه إلى ذلك الجمع، وبطبيعة الحال كانت اللغة عائقاً كبيراً، فلم أفهم حرفاً مما يقولون، ولم أتمكن أيضاً من فهم المكتوب على لافتات كانوا يحملونها. لكن الأجواء في تلك اللحظة التي ضمت laquo;الماء والخضرة والوجه الحسنraquo;، وكانت مشجعة للسير معهم وسط تصفيق من الجماهير المحيطة، وتعزيزات أمنية لافتة. وبعد مسير دام نحو ربع ساعة، اتضح أن المظاهرة كانت للمطالبة بحقوق للمثليين جنسياً، طبعاً لم أكن ارتدي آنذاك شماغاً، لاتلطم واختفي، لكن ذلك يدفعني للتوجه بسؤال للأحمد: هل كان تورطي في تلك المظاهرة جائزاً شرعاً من وجهة نظرك، أم يتوجب علي إخراج كفارة...؟