علي حماده
يدرك نجيب ميقاتي انه ليس مرجعية سياسية كبيرة لا وطنياً وطائفياً. هو من الشخصيات المتقدمة في بيئتها ولكنه ليس من وزن فيلة السياسة في لبنان مثل السيد حسن نصرالله، ووليد جنبلاط، ونبيه بري، وسعد الحريري، وميشال عون، وسمير جعجع، وامين الجميل. انه في المقدمة عندما تصل الأمور الى طرح بدائل من الأصل لظرف معين. هذا ما اتى به العام 2005، عندما تم التوافق عليه رئيسا لحكومة انتقالية إثر استبعاد عدنان القصار لتأخره في التنصل من حكومة عمر كرامي التي في عهدها اغتيل رفيق الحريري. جيء بميقاتي، لا لأنه كان يحوز ثقة quot;ثورة الأرزquot; بل لأنه مثل ضماناً لقوى الوصاية المحلية، وأيضاً لأنه كان في تلك المرحلة معتبراً رجلا قريباً من الرئيس بشار الاسد، لا بل اكثر، بما يطمئن السوريين ويخفف من ضررهم على لبنان في مرحلة كانوا قد خرجوا فيها من لبنان بالطريقة التي ما كانوا يتخيلونها يوماً.
خلال تلك الحقبة التي حصلت فيها الانتخابات النيابية الأولى بعد خروج الوصاية السورية، كان اداؤه معقولافي مرحلة شكّل فيها حلاً وسطاً مقبولاً من الجميع، وفي مرحلة كان فيها السوريون في ادنى مراحل قوتهم. وفي نهاية مهمته حاول ان يمدد بقاءه في الرئاسة الثالثة لكنه ووجه بموقف حاسم من الاستقلاليين الذين اعتبروا ان quot;ثورة الأرزquot; ببقاء نبيه بري في رئاسة مجلس النواب، وعودة ميقاتي الى رئاسة الحكومة ستكون اعادت ادخال بشار الاسد تقريباً من النافذة بعدما جرى اخراجه من الباب العريض في 26 نيسان 2005. وكان من الطبيعي ان تراعى نتائج الانتخابات النيابية عبر الاتيان برئيس للحكومة يكون ممثلا للغالبية النيابية والشعبية التي تجسدت في قوى 14 آذار.
في انتخابات 2009 كان من المهم بمكان بعد غزوات 7 و11 ايار 2008 توفير اوسع قاعدة توافقية حول مشروع quot;العبور الى الدولةquot; وجرت في غير مكان التضحية بشخصيات كبيرة واساسية من اجل اقامة ائتلاف انتخابي واسع لا سيما في الشمال بغالبية السنية، مع علم سعد الحريري انه كان قادراً على حصد كل المقاعد من دون نجيب ميقاتي او محمد الصفدي. اطيح رجل من طينة استثنائية مثل مصباح الاحدب على مذبح تأمين اجماع وعدم الغاء اي قوة سياسية، وكان نجيب ميقاتي أحد هذه القوى. يومها سئل ميقاتي الذي امن نجاحه وصار عليه ان يعمل على quot;القيمة المضافةquot; التي يمكن ان يحقق بعدما quot;اودعquot; اصوات سعد الحريري في طرابلس في حسابه من اجل ان يبرز قوة شعبية مميزة في بيئته الطرابلسية ndash; سئل هل تؤيد مجيء سعد الحريري رئيسا للحكومة بعد الانتخابات، فأجاب، من السابق لأوانه وسنرى بعد الانتخابات. ولكن بعد انتصار الاستقلاليين في الانتخابات صار الحريري المرشح الطبيعي لرئاسة الحكومة.
لماذا هذه المقدمة؟ للقول ان ميقاتي حتى في عز تحالفه مع الحريري الذي ضحى بحلفاء استثنائيين في كل شيء ولا سيما في البعد الاخلاقي كمصباح الاحدب، كان يتمهل في اعلان ترشيحه لقاطرة الانتخابات النيابية سعد الحريري، ربما ظنا منه ان نتائج متقاربة، او فشل الاستقلاليين في تأمين الغالبية النيابية يمكن ان يفتح له طريق الرئاسة الثالثة لحل وسط: فهو خارج من ائتلاف مع الاستقلاليين، ويطمئن السوريين ومن يدور في فلكهم! ولكن المشروع تأجل.
في الازمة الراهنة، تغيرت المعطيات: فنجيب ميقاتي اتى من طريق طعنه الائتلاف الانتخابي من ناحية، وخروجه على ارادة الغالبية العظمى من بيئته الطائفية. اتى بالطريقة الخاطئة مرشحا من بشار الاسد وquot;حزب اللهquot; معتبرا ان القوى الاستقلالية يمكن الاشتباك معها من دون تبعات، بعدما ثبت ان وحده quot;حزب اللهquot; بسلاحه يضغط على الحياة السياسية في لبنان. البقية معروفة.
اليوم يقف نجيب ميقاتي امام استحقاق التأليف. ومن يراهن على انه يمكن ان يعتذر يرتكب خطأ كبيرا لانه سيشكل الحكومة. ولكن ثمة مؤشرات متقاطعة تدل على انه يقطع الوقت في انتظار صدور القرار الاتهامي لتحسين موقفه التفاوضي مع من اتوا به. فخياره الاساس هو تشكيل حكومة تكنوقراط تكون خلوا من الفريقين الكبيرين. ولكنه بعدما احرق مراكبه مع الاستقلاليين، يعتبر ان صدور القرار الاتهامي الذي سيوجه اتهامات الى اعضاء من quot;حزب اللهquot; ومسؤولين سوريين باغتيال الرئيس رفيق الحريري يجعله في وضع اقوى لفرض شروطه على قوى 8 آذار وحتى السوريين لاقناعهم بأن افضل طريقة لخدمة مصالحهم ولحمايتهم في مرحلة دقيقة يكون بأن تبدو حكومة لبنان حائزة صدقية دولية معقولة والا تتهم بأنها حكومة قتلة او مطلوبين للعدالة! يعني ان ميقاتي يريد اقناع مرجعيتيه المحلية والاقليمية انه قادر على حمايتهما ضد القرار الاتهامي ونتائجه بحكومة quot;محترمةquot;. ويملك ميقاتي ورقة في مرحلة ما بعد صدور القرار الاتهامي، وفي حال لم يفلح في تشكيل الحكومة التي يريد ألا وهي ورقة الاعتذار التي يمكنه ان يلوح بها في وجه داعميه المنشغلين بمواجهة تداعيات القرار الاتهامي. فهل يكون ميقاتي هو من يؤخر تشكيل quot;حكومة المطلوبينquot;؟
في مطلق الاحوال ثمة حقيقة ومفادها ان اي حكومة تكنوقراطية الطابع يشكلها نجيب ميقاتي ستكون واجهة لحكم quot;حزب اللهquot; وسوريا وفي احسن الاحوال لن تكون اكثر من مطيّة مهما جرى تطعيمها بأسماء مقبولة. فالمرحلة ليست مرحلة تذاك ولا مرحلة شخصيات لا طعم لها ولا لون. وبالتأكيد ليست مرحلة الوصايتين اللتين جاءتا بنجيب ميقاتي. فلننظر الى ما يدور حولنا في العالم العربي.
التعليقات