عبدالله الأشعل

بدأ الرئيس باراك أوباما بعد تسعة أيام من اندلاع الثورة الليبية يطالب القذافي بالرحيل ويعلن سقوط شرعيته. وفي اليوم نفسه صدر قرار مجلس الأمن الرقم 1970 الذي يفرض عقوبات على القذافي وحاشيته ونظامه، ولكن أوباما لم يستبعد الخيار العسكري. في اليوم نفسه قرر مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان تجميد عضوية ليبيا فيه وإرسال لجنة للتحقيق في الاضطرابات، وقرر مجلس الأمن إحالة ملف ليبيا إلى المحكمة الجنائية الدولية.

يلفت النظر هنا ما يلي:

أولاً: أن هذه المواقف الكثيفة في يوم واحد سببها صمود الثورة وتقدمها كل يوم ووحشية النظام في ليبيا وتساقط أركانه باستقالة وزير الداخلية وعدد من الديبلوماسيين أهمهم المندوب الدائم في الأمم المتحدة وعدد من السفراء الليبيين الآخرين وارتفاع حصيلة الضحايا. ويبدو أن المجتمع الدولي قدر أن نظام القذافي انتهى وأن الثورة تمضي إلى غير رجعة، ولذلك سجل مجلس الأمن وواشنطن هذه المواقف للتعامل مع النظام الجديد.

ثانياً: إن التحرك الكثيف للولايات المتحدة بعد نحو أسبوعين على رغم استغاثة الثوار بالعالم ضد بطش القذافي ومرتزقته لا شك يقطع الحبل السري بين النظام وبين الأمل بالبقاء، بل التفاوض على أي شكل من أشكال البقاء، وهو قطعاً يساعد الثوار ويقصّر أمد المواجهة ويوفر الكثير من الدماء. معنى ذلك أن أحداً لم يقتنع بإغواء القذافي لواشنطن بأن laquo;القاعدةraquo; هي البديل في ليبيا، تماماً كما فقد مبارك قدرته على إقناع واشنطن بأن laquo;الإخوانraquo; هم البديل لنظامه الذي ساندته واشنطن طويلاً وهي تعلم حجم الفساد الذي يجلس عليه وحجم القمع الذي يمارسه.

ثالثاً: إن واشنطن أسرفت كثيراً في قرارات العقوبات الفردية والدولية فجأة، وصرحت بأن الخيار العسكري ليس مستبعداً. صحيح أنها قد لا تفكر جدياً الآن في ذلك ولكنها تريد أن تبدو وكأنها تبحث عن كل المخارج لإنقاذ الشعب الليبي من جلاده المسلح والمختل والعازم على إحراق بلاده، التي لم تعد بلاده بعد أن تمرد عليه أهلها، وفقد شرعية السلطة وشرعية الانتماء بوحشية. حتى إذا قررت واشنطن بعد ذلك الوجود العسكري تكون قد قدمت تلميحاً وتقديماً لذلك.

رابعاً: إن ملاحقة القذافي أمام الجنائية الدولية تختلف عن ملاحقة الرئيس السوداني عمر البشير. فالبشير كان يدافع عن وحدة بلاده ضد التمرد الذي غذّاه القذافي، بينما القذافي يلاحَق بسبب جرائم حقيقية متعمدة ضد شعبه. وفي كلتا الحالتين فإن واشنطن لا تلاحق أياً من الزعيمين بسبب حرصها على العدل للشعبين الليبي والسوداني، ولكن كي تستغل المحكمة التي تناصبها العداء منذ قيامها في مخططها ضد المنطقتين. فقد وعدت قبل ذلك بأن سماح البشير بانفصال الجنوب ستكون مكافأته إغفال الملاحقة ورفعه من قائمة رعاة الإرهاب.

والحق أن القذافي لم يشكل عقبة في سبيل المشروع الأميركي، بينما كان البشير يساند المقاومة ضد إسرائيل، وكان يحاول المحافظة على وحدة السودان، وإن تسببت سياساته الداخلية في تهديد هذه الوحدة الترابية.