جون كيري

لا يجوز أن يسمح العالم للقذافي بأن يتصور أنه قادر على ذبح شعبه والإفلات من العقاب، ولا يجوز لنا أن نسمح له بأن يجعل هذه الهجمات أكثر فتكاً باستخدام قوته الجوية، وإذا عجزت الولايات المتحدة عن الموافقة على قرار بفرض منطقة حظر طيران، فلابد أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلنطي والعالم العربي على استعداد لمنع مذبحة.

إن الزعماء في أنحاء العالم المختلفة منهمكون الآن وبقوة في مناقشة إمكانية أو معقولية فرض منطقة حظر طيران، ومدى جدوى هذا الحظر في وقف العنف الجاري في ليبيا، فيستشهد البعض بتجربة البوسنة، عندما استغرق حلف شمال الأطلنطي (الناتو) وقتاً أطول مما ينبغي قبل أن يتحرك لحماية السكان المدنيين في منتصف التسعينيات، كحجة لضرورة الإسراع بفرض الحظر، ويتذكر آخرون حالة رواندا، حيث أعرب الرئيس بيل كلينتون في وقت لاحق عن ندمه وأسفه لعدم التحرك لإنقاذ أرواح الأبرياء، ولكن المخاطرة في ليبيا اليوم تتضح وتتأكد في ضوء المأساة التي شهدها جنوب العراق في الأيام الأخيرة من حرب الخليج قبل عشرين عاماً.

فبينما كانت قوات التحالف تدحر الجيش العراقي في فبراير 1991، كان الرئيس جورج بوش الأب يشجع الشعب العراقي على laquo;الأخذ بزمام الأمور بين أيديهم لإرغام صدام حسين الدكتاتور على التنحيraquo;. وعندما ثار الشيعة والأكراد وعرب الأهوار ضد صدام، كانوا يعتقدون أن القوات الأميركية ستوفر لهم الحماية من قوة النيران المتفوقة التي كانت تحت يد الدكتاتور الوحشي.

ولكن بدلاً من ذلك، وعندما بدأت الطائرات المروحية الهجومية وقوات النخبة العراقية في ذبح الشعب العراقي، صدرت الأوامر لقوات التحالف بالانسحاب، وجلس العالم على مقعد المتفرج وهو يشاهد الآلاف من العراقيين وهم يذبحون.

صحيح أن الوضع في ليبيا اليوم لا يتطابق مع ما حدث في العراق آنذاك، فبإلهام من الأحداث التي جرت في تونس ومصر، انتفض الشعب الليبي عفوياً ضد أربعة عقود من القمع على يد العقيد معمر القذافي، ورغم ذلك فإن الشبح الذي يطاردني هو نفسه لم يتغير: أناس عاديون يواجهون قوة جوية وجنوداً مدججين بالسلاح يدينون بالولاء للطاغية، ويعتمدون على العالم الحر لحمايتهم من المذبحة بعد أن صفقنا وهللنا لشجاعتهم ودعمناهم بالقول.

حتى الآن، كانت قوات القذافي تعتمد على القوة الجوية بشكل انتقائي، ولكن القذافي رجل داهية، وأخشى أن يختار استنزاف المعارضة حتى الموت، بدلاً من استفزاز أي تحرك عالمي بارتكاب مجزرة واسعة النطاق، أو أن ينتظر إلى أن يثبت العالم عجزه أو عزوفه عن التحرك، وعند هذه النقطة فقد يبدأ بقتل المدنيين بأعداد كبيرة.

ونحن لا يسعنا أن ننتظر إلى أن يحدث ذلك، بل يتعين علينا أن نتخذ خطوات ملموسة الآن حتى نصبح مستعدين لفرض منطقة حظر طيران على الفور إذا بدأ القذافي باستخدام قوته الجوية لقتل أعداد كبيرة من المدنيين، وفضلاً عن ذلك فإن الدبلوماسية مطلوبة بشدة لبناء دعم واسع النطاق لمنطقة حظر الطيران.

والواقع أن الإجازة الأكثر أهمية لابد أن تأتي من الأمم المتحدة، حيث ينبغي للمناقشة أن تبدأ على الفور بشأن قرار يجيز فرض منطقة حظر طيران، ولقد أعربت كل من الصين وروسيا عن تحفظات، وإذا فشل مجلس الأمن في إجازة هذا التحرك، فإن هؤلاء الذين قرروا حماية المدنيين الليبيين سيجدون أنفسهم في مواجهة اختيار أكثر صعوبة إذا تصاعدت أعمال العنف.

لذا فلابد أن تمتد جهودنا الدبلوماسية إلى ما هو أبعد من الأمم المتحدة، ويشكل دعم حلف شمال الأطلنطي والاتحاد الإفريقي أهمية بالغة في هذا الصدد، ولكي نتجنب تصور هجوم laquo;الناتوraquo; أو الولايات المتحدة على بلد مسلم آخر، فإن الدعم العربي مطلوب أيضاً.

وهناك مؤشرات واعدة على هذه الجبهة، فقد دعت دول مجلس التعاون الخليجي الست الأمم المتحدة إلى فرض منطقة حظر طيران، كما أقرت جامعة الدول العربية اقتراحاً مماثلاً، ويتعين على الدول الإسلامية بوجه خاص أن تدعم الأعمال التحضيرية للتدخل إذا خرجت أعمال العنف عن السيطرة.

ولا يجوز أن يسمح العالم للقذافي بأن يتصور أنه قادر على ذبح شعبه والإفلات من العقاب، ولا يجوز لنا أن نسمح له بأن يجعل هذه الهجمات أكثر فتكاً باستخدام قوته الجوية، وإذا عجزت الولايات المتحدة عن الموافقة على قرار بفرض منطقة حظر طيران، فلابد أن تكون الولايات المتحدة وحلفاؤها في حلف شمال الأطلنطي والعالم العربي على استعداد لمنع مذبحة كتلك التي وقعت في سربيرينيتشا في عام 1995، عندما ذُبِح أكثر من ثمانية آلاف رجل وصبي بوسني.

لا شك أن فرض منطقة حظر الطيران لن يكون الدواء الشافي من كل داء، وقد لا يكون كافياً لترجيح كفة الميزان إذا تدهور الوضع في ليبيا إلى حرب أهلية شاملة، ولكن تنفيذ قرار إقامة منطقة حظر الطيران من شأنه أن يمنع الضربات الجوية وأن ينقذ أرواح المدنيين، ويتعين علينا أن نكون جاهزين لاستخدام هذه الأداة إذا اقتضى الأمر، وهذا من شأنه أن ينبئ المعارضين بأنهم ليسوا وحدهم.

وقبل التوصل إلى هذا القرار، يتعين على المجتمع الدولي أن يقدم المساعدات الإنسانية والإمدادات الطبية للثوار في شرق ليبيا، ولا ينبغي لنا أبداً أن نتركهم للجوع الذي قد يحملهم على الخضوع والاستسلام.

أما الخيار الوحيد الذي لا ينبغي أن يكون مطروحاً على طاولة البحث فهو إرسال قوات برية أميركية إلى ليبيا؛ فلا أحد يريد أن يرى قوات الولايات المتحدة متورطة في حرب أخرى، خصوصاً في بلد مسلم آخر، وكما قال الرئيس باراك أوباما، فإن الشعب الليبي لا يجب أن يُحرَم من سيطرته الكاملة على نضاله من أجل الحرية، ولا يجب أن يُعطَى القذافي ذريعة مفيدة وكبش فداء.

ولعل مجرد التهديد بفرض منطقة حظر طيران يكون كافياً لمنع طياري القذافي من استخدام طائراتهم المروحية والنفاثة المقاتلة لقتل شعبهم، وإذا لم يمنعهم هذه التهديد، يتعين علينا أن نوضح بما لا يدع مجالاً للشك أننا سنقود العالم الحر لمنع مجزرة لا معنى لها أو ذبح المزيد من مواطني ليبيا على يد رجل مجنون عازم على التشبث بالسلطة، ويتعين على الولايات المتحدة والمجتمع الدولي أيضاً أن يوضحا- كما فعلنا في البوسنة وكوسوفو- أننا نتخذ موقفاً موحداً ضد سفاح يقتل المسلمين.

* عضو مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية ماساشوسيتس، ورئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ.

laquo;بروجيكت سنديكيتraquo; بالاتفاق مع laquo;الجريدةraquo;